الموسيقى العيساوية هي امتداد للمذهب الصوفي العيساوي، تتغنى بقصائد وأمداح تناقلتها الأجيال من دون إضافة أو تغيير


فرقة بنات عيساوة أول مجموعة نسائية للأغنية العيساوية الشعبية

ظهرت بوادر الموهبة الغنائية عند المغربية فاطمة الزهراء الحشابي في وقت مبكر، صعدت منصات دور الشباب والمراكز الثقافية والجمعيات لتغني أغاني الأطفال في ربيعها الثامن، ثم أسست وهي في 14 من عمرها فرقة خاصة بالإنشاد الديني.
أحيت لسنوات حفلات وأعراسا نسائية، وصارت وجها غنائيا معروفا في مراكش، قبل أن تقرر إنشاء أول مجموعة نسائية للأغنية العيساوية الشعبية بالمدينة الحمراء مراكش. لم يكن صعبا على هذه الشابة التي تمرس صوتها على الإنشاد الديني والغناء الملتزم، أن تقتحم "تعيساويت"، الاسم الشعبي لفن عيساوة الذي ظل منذ نشأته مرتبطا بالرجال. وتضم فرقة بنات عيساوة التي أسستها فاطمة الزهراء قبل عام ونصف العام 10 سيدات، معظمهن من المولعات بهذا الغناء الصوفي الأصيل.تقول للجزيرة نت إن رفيقاتها لسن غريبات عن هذا الفن، فهن إما بنات "معلمين" في فرق عيساوة، أو ينحدرن من أسر توارثت عشق هذا الأسلوب الغنائي.
وتحكي فاطمة الزهراء بدايات تأسيس فرقة بنات عيساوة، وكيف كانت النساء اللواتي يحضرن حفلات تغني فيها بعض الشذرات العيساوية يطلبن منها تأسيس فرقة خاصة بهذا الغناء وتنشيط حفلات عيساوية خالصة، وكذلك شأن العديد من "معلمي" عيساوة في مراكش، الذين شجعوها ودفعوها للإقدام على هذه الخطوة.
وتضيف "مع تأسيس الفرقة تقاطرت علينا الدعوات لإحياء حفلات وليال عيساوية، كان هناك فراغ في الصوت النسوي العيساوي بالمدينة ونحن نحاول شغله".

أصول صوفية

ويشتهر المغرب بموسيقى عيساوة، وهي موسيقى ترتبط بالطريقة الصوفية العيساوية التي أسسها الشيخ محمد الهادي بن عيسى المعروف بالشيخ الكامل، وكانت هذه الطريقة في بدايتها تقتبس أصولها من الطريقة الجزولية الشاذلية كغيرها من الطرق التي ظهرت بالمغرب في القرن الـ16.
ووفق كتاب معلمة المغرب، فقد كانت هذه الطريقة تضطلع بدور التربية الروحية، فيجتمع مريدوها على العبادة وتلاوة القرآن الكريم وقراءة حزب "سبحان الدايم"، الذي وضعه الشيخ الكامل وضمنه كثيرا من قواعد التوحيد، ثم حدث أن اتسع نشاط أصحابها، فأصبحوا يمزجون بين قراءة الأوراد والأدعية والتهليل والصلاة على النبي محمد (صلى الله عليه وسلم).
وللزاوية العيساوية أتباع كثر داخل المغرب، ولها زوايا بمختلف المدن المغربية، وخاصة زاوية مكناس التي تستقطب الوافدين عليها من مدن المغرب ومن دول شمال أفريقيا بمناسبة المولد النبوي، حيث يقام موسم الشيخ الكامل حول ضريح أسسه السلطان محمد بن عبد الله سنة 1190 للهجرة.

من الطريقة للموسيقى

ووفق المصدر نفسه، فقد تسربت عادة التغني إلى الطائفة العيساوية كما تسربت إلى غيرها من الطوائف نتيجة تأثرها بطرق المشارقة، فأصبحت مراسم أتباعها عبارة عن تظاهرات موسيقية تلتقي فيها فئات شعبية تتباين مستوياتها الثقافية والاقتصادية والاجتماعية.
وقد أفضت الممارسة والتداول إلى نشوء مجموعات ينحصر نشاطها في ترديد الأذكار والأدعية على الأنغام والإيقاعات بعيدا عن الممارسات الطقوسية الأخرى، وبذلك تحوّلت هذه المجموعات إلى فرق فنية موسيقية تمارس نوعا خاصا من أنواع الغناء الشعبي الصوفي له مقوماته، التي تميزه عن غيره من الفنون الغنائية الأخرى.
فالموسيقى العيساوية إذن هي امتداد للمذهب الصوفي العيساوي، تتغنى بقصائد وأمداح تناقلها جيل عن جيل من دون إضافة أو تغيير في الكلام أو الإيقاع، ومن مميزاتها أنها تخاطب الروح والجسد، وتعطي الإيقاع أهمية بالغة خلافا للطرق الصوفية المغربية الأخرى التي تعتمد فقط على الذكر والمديح من دون إيقاع.
وتستعمل الفرق العيساوية عددا من الآلات الموسيقية، منها الطبل والغيطة (وهي نوع من المزامير) والمزاهير (دفوف تضاف إلى جوانبها الخشبية أقراص نحاسية).

فرق بنات عيساوة

وكان الغناء العيساوي حكرا على الرجال قبل أن تقتحمه في السنوات الأخيرة فرق نسائية ظهرت في مكناس والرباط وأكادير والدار البيضاء ووجدة، ثم أخيرا في مراكش.
تقول فاطمة الزهراء إن للأغنية العيساوية محبين وعشاقا كثرا كلهم من محبي التصوف، يهوون سماع كلماتها والتفاعل مع إيقاعاتها التي تتراوح بين الخفيف والسريع، فيحرصون على حضور ليال عيساوة أو تنظيمها في بيوتهم.
ووجدت النساء في فرق بنات عيساوة فرصة لعيش لحظات روحية ضمن أجواء خاصة ومريحة من دون اختلاط مع الرجال.
وترتدي فرقة بنات عيساوة المراكشية برئاسة فاطمة الزهراء الحشابي لباسا خاصا بهذه الفرق الشعبية، وهو عبارة عن جلباب أو "الحنديرة" (وهي عباءة صوفية من دون أكمام وفيها خطوط حمراء).
وللانتساب لفرقة عيساوة شروط -كما تقول فاطمة الزهراء- فلا يمكن لشخص لا يميل للروحانيات والتصوف أن يحب أو يغني "تعيساويت"، فهي ليست مجرد موسيقى أو غناء، بل إنه "ذكر وصعود روحاني".
وتضيف "أنا مولعة بهذا اللون الغنائي، كلماته تلمس قلبي والإيقاع يجرني إلى عالم آخر، لذلك عندما أغني تتلاقى مشاعري بمشاعر الجمهور وتهتز ذواتنا جميعا بالأذكار والإيقاع".
وكما لم تعد الأغنية العيساوية مرتبطة بالمواسم الدينية وفرضت حضورها في مهرجانات وطنية ودولية داخل المغرب وخارجه، لم تعد كذلك مرتبطة بالرجال بعد أن أنثتها أصوات نسائية ومنحتها نفسا جديدا وانتشارا أكبر.