وهج تشغل وقتها بالحياكة في البيت خلال الحظر
على غير العادة يستعد أبو محمد للذهاب إلى سوق الخضار في منطقة الرشيد بالعاصمة بغداد للتسوق بأسعار الجملة ما تحتاجه زوجته في المنزل، لإعداد ما يمكن من الطعام في البيت، وذلك لصعوبة الخروج الدائم بسبب حظر التجول المفروض خوفا من تفشي فيروس كورونا.
ومع حظر التجول أجبر أكثر الباعة القريبين من المناطق السكنية على الإغلاق، ودفعت مخاوف العائلات العراقية لتخفيض نسبة التسوق اليومي إلى حد كبير، تحسبا لوصول العدوى عن طريق الأغذية إلى المنازل.
واستغلت ربات البيوت حظر التجول بالعودة إلى الصناعات المنزلية التي كانت منتشرة في العقود الماضية، مثل خياطة الملابس والتطريز، وكذلك صناعة ما يحتاجه المطبخ يدويا لتنتعش الكثير من الصناعات المنزلية.
شارع المتنبي وقد خلا من المارة وأغلقت المحال بسبب الحظر الصحي
بديل آمن
وتقول أم محمد للجزيرة نت إن الظرف الصحي الحالي وتسجيل أعداد متزايدة من الإصابات بفيروس كورونا دفعاها لصناعة الكثير من الأغذية التي تحتاجها العائلة بالاستهلاك اليومي كما كان يحصل في السنوات الماضية.
وتضيف أنها استرجعت طرق صناعة المخللات ومعجون الطماطم المنزلي وأنواع معينة من الحلويات بمساعدة أفراد العائلة، وذلك خشية انتقال الفيروس عبر الأغذية والمحاصيل الزراعية والاختلاط، مما دفعها للبحث عن البديل الآمن وصناعة ما يمكن يدويا.
ورجعت فاطمة إلى صناعة الخبز في البيت، وذلك بعدما قاطعت عائلتها المخابز التي تصنع أرغفة الخبز والصمون الحجري، خوفا من الإصابة وما تشكله طوابير الأهالي على الأفران للحصول على كميات كبيرة تكفيهم لبضعة أيام من مخاطر العدوى.
وتضيف للجزيرة نت أن الصناعات المنزلية التي كانت تراها في طفولتها- مثل صناعة الأغذية والوجبات المنزلية وأعمال الخياطة- عادت للظهور بقوة في هذه الأوقات، وتتميز بجودتها العالية والاستهلاك الآمن.
من جهتها، رجحت الناشطة النسائية سنار حسن أن يكون أسلوب الحياة بعد انتهاء الأزمة هو الاتجاه نحو المواد المصنوعة في البيت والحرص على النظافة، بسبب الخوف من الأمراض التي نتجت عن الفيروس.
سيدة عراقية في مملكتها الخاصة بزمن كورونا (رويترز)
فوائد كورونا
واستغلت بعض ربات البيوت فترة الحجر الصحي بالعودة إلى أشهر الحرف اليدوية في البلاد، والتي تراجعت كثيرا في السنوات الأخيرة، وهي خياطة الملابس والتطريز والحياكة اليدوية.
وفي هذا الشأن، تقول لينا أحمد إنها تعلمت الخياطة أثناء الحجر المنزلي بسبب انتشار كورونا وتعطيل الدوام والأعمال الذي أعطى الكثير من الوقت في المنزل.
واعتبرت لينا في حديثها للجزيرة نت فترة الحظر الصحي من "فوائد كورونا"، لأنه أعطاها الوقت الكافي لإعادة النظر بما يمكن فعله واكتشاف المخبوء من قدرات ومواهب.
وبينما تستثمر الطالبة الجامعية وهج مشرق وقتها في ظل الحظر المفروض وتعطل الدوام بتعلم الحياكة وصناعة قطع مختلفة للاستخدام المنزلي تؤكد أن والدتها -التي منعت أفراد العائلة من الخروج- تعد الكثير من الأكلات الشعبية في المطبخ.
صناعة المخلل في أحد بيوت بغداد
الحاجة أم الاختراع
ويقول الباحث الاجتماعي رجاء التميمي إن الأسر العراقية -وبحكم الوضع الصحي الاستثنائي الذي يشهده البلد في زمن كورونا- توجهت لإيجاد البدائل الاستهلاكية، وأهمهما تلبية متطلبات الأسرة التي تحتاج إلى بعض المواد البسيطة فقط.
وأضاف التميمي للجزيرة نت أن الأسرة العراقية معروفة بالإبداع وابتكار الحلول، وقد شهدت الصناعات المنزلية اليدوية ازدهارا كبيرا خلال فترة الحصار في تسعينيات القرن الماضي (عندما كان العراق خاضعا لعقوبات دولية)، وما لحقها من أحداث واضطرابات بعد الاحتلال الأميركي للعراق الذي بدأت بالغزو عام 2003.
وأشار إلى أن عودة الأسر مرة أخرى لتصنيع الكثير من الأغذية والمواد اليدوية كما كانت تفعل في التسعينيات تأتي انطلاقا من مبدأ الحاجة أم الاختراع بسبب الوضع الراهن، وأن إمكانيات العراقيين اليدوية وصلت إلى تصنيع أجهزة الحماية الكهربائية في العقود السابقة، لإيجاد حل لمشكلة تذبذب الكهرباء وحماية الأجهزة المنزلية من التلف.