أعطني الناي وغنِّ فالغنا سر الخلود ... وأنين الناي يبقى بعد أن يفنى الوجود
بهدوء وبعيدا عن الأضواء، يَمضي الفنان الشاب خلدون الناصر في مشواره بعالم الخط العربي، عبر لمسات خاصة ميّزته عن كثير من نظرائه في الأوساط الفنية العراقية، عن طريق توظيفه للخط والألوان والأشكال الهندسية في لوحاته.
نقطة الانطلاق حين قرر الالتحاق بمعهد الفنون الجميلة في مدينته كركوك، فكانت الدراسة بوابة دلف منها إلى عالم الخط العربي، حيث كانت تستهويه الحروف وتشد انتباهه اللوحات الخطية والقطع الإعلانية التجارية التي كانت تكتب يدويا، قبل دخول الإعلان الضوئي.
لكنه لم يكتف بالدراسة الأكاديمية، بل واصل اهتمامه بهذا الفن بالتتلمذ على يد بعض الخطاطين المعروفين في العراق والعالم العربي، مثل سالم عز الدين وهيثم سلمو وعدنان الشيخ عثمان ومحمد فاروق الحداد، الذين تركوا بصماتهم في تكوينه وإحساسه الفني، كما يؤكد.
يقول الناصر إن والده شجعه على المضي في مشواره الفني هذا، كما تأثر بمدرسة الخطاطين البغداديين وروادها، مثل هاشم البغدادي وعباس البغدادي ومثنى العبيدي، وحاول في بداياته استلهام أعمالهم، مع الحرص على ترك لمساته الخاصة عليها، ثم قرر أن يتفرغ لهذا الفن ويعتمد عليه في معيشته.
ويضيف أنه عند دخوله إلى هذا المجال، وجد الساحة مكتظة بخطاطين أكفاء، فكان لزاما عليه أن يحدث تغييرا في اللوحات الخاصة به عبر التميز بهذا اللون غير المنتشر كثيرا بين أقرانه.
لكني أستشعر في أنفاسها بابل، أشم في رائحتها سومر، أرى في عينيها أكد، وأستطعم في ريقها آشور
لفظ ومعنى
ولأنه ينتمي إلى كركوك التي عرفت بتنوعها القومي، فقد تأثر بالأجواء المحيطة به والطرز المعمارية المختلفة التي تزين جدران قلعة المدينة ومساجدها وبناياتها العتيقة، وبدأ مشواره بخط الرقعة، قبل أن ينتقل إلى خطوط أخرى.
لكن ما استهواه أكثر هو كيفية تحويل خطوطه إلى لوحات فنية تنبض بالحياة، فبدأ باختيار آيات قرآنية وأحاديث نبوية وأبيات شعر يحوّلها إلى لوحات عبر ربط الكلمة بالصورة، واللفظ بالمعنى، واستخدام ألوان تناسب روحية العمل الذي ينجزه.
ورغم حجم الإقبال الذي تجده أعماله فإنه لم يحظ بأي دعم حكومي أو أهلي، بل استمر يمارس هوايته اعتمادا على نفسه وبعض المقربين من أسرته وأصدقائه.
وقد نصحه الكثيرون بأن يلجأ إلى تسويق أعماله داخل العراق وخارجه بشكل أوسع، إلا أن ذلك يحتاج رعاية واهتماما ليس بمقدوره أن يتحمل تكاليفهما وحده حاليا.
ويوما بعد آخر، بدأت بعض أعماله تأخذ أصداء واسعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مما مهد له الطريق كي يشارك ببعضها -عن بعد- في معارض بقطر وتركيا وفرنسا وبريطانيا والسعودية، وتحصد الكثير من الاهتمام والإعجاب.
خلدون الناصر داخل قلعة مدينته كركوك
أمنيات مؤجلة
ويرى الناصر أنه ورفاقه من الخطاطين الشباب الذين يغردون خارج المألوف، ما زال ينقصهم الكثير من الدعم المادي والمعنوي، إضافة إلى كثرة المشاركات والمعارض، وهو أمر ما زال متعسرا في ظل الظروف غير المستقرة التي يعيشها العراق، ومدينته بشكل خاص.
لكن تجاربه عبر مشاركاته في بعض المعارض، أو عن طريق نشر صور لوحاته على صفحته بموقع فيسبوك، جلبت له الكثير من المعجبين والمتابعين من داخل العراق وخارجه، "إلا أن الطريق نحو العالمية ما زال طويلا".
أمي ومأمني وأماني وإيماني وأمتي ومسكني وسكني وروحي
ويلفت الناصر إلى أن مزج الخط العربي بالتشكيل بات يجد رواجا كبيرا في العراق، من حيث كثرة الإقبال على المعارض المقامة أو شراء اللوحات المنفذة بهذه الطريقة. ومن أبرز من برع في هذا المجال أكرم جرجيس وعبد الحسين الركابي وغيرهما.
بقيت لدى الفنان الشاب ذي الثمانية والعشرين ربيعا أمنية يأمل أن ترى النور يوما ما، وهي أن يحظى بكتابة القرآن الكريم بخطه، لكنه ما زال حلما بعيد المنال رغم أنه يواصل سعيه لذلك بكل جد واهتمام، كما يقول.
بيت بلا بنات كالأرض بلا نبات