علماء يستبعدون معرفة نقطة زمنية ومكانية متفردة لنشأة الجنس البشري
استعادة وتتبع آثار الحمض النووي القديم والعثور على جزيئات حيوية في الحفريات أمر بالغ الأهمية لتوسيع رقعة البحث
السجل الجيني والأحفوري لم يكشف عن مكان ووقت محدد لأصل جنسنا البشري (ويكيبيديا – ريان سوما)
بحاجة للمزيد من الأدلة.. غياب تفرد الأصل الزمني والمكاني لنشأة البشر
من تفرد الغياب إلى غياب التفرد.. علماء ينفون معرفة زمان ومكان نشأة الإنسان
دراسة تنفي معرفة الأصل الزمني والمكاني لجنسنا البشري
يُفتَتن معظم البشر بأجدادهم، وهي صفة تبدو من سمات جنسنا البشري، الذي يتساءل دوما عن أسلافه وأصول جنسه البشري.
ويذهب العلماء بعيدا بين الفينة والأخرى مكتشفين "سلفا بشريا جديدا" أو "حفرية جديدة"، تعيد ترتيب المشهد أحيانا أو تتسبب في إرباكه. وعلى الرغم من ذلك، فنادرا ما طُرحت كلمات مثل "السلف" و"الأصل المشترك" للمناقشة العلمية بشكل دقيق.
وفي دراسة مرجعية حديثة نشرتها دورية "نيتشر" (Nature) في 10 فبراير/شباط الجاري، راجع مجموعة من العلماء فهمنا الحالي عن الكيفية التي نتتبع بها أصل الإنسان الحديث، سواء من حيث مكان وجوده أو زمانه، وأي الأسلاف التي مروا بها في رحلتهم عبر الزمن.
تعاون في هذه الدراسة علماء من "معهد فرانسيس كريك" (Francis Crick Institute) ومن متحف التاريخ الطبيعي (Natural History Museum) في المملكة المتحدة، ومن "معهد ماكس بلانك" لعلوم تاريخ البشرية (Max Planck Institute for Science of Human History) بألمانيا.
بعض العلماء يُرجعون أصل الإنسان العاقل إلى أفريقيا وكذلك إلى نقطة زمنية معينة (ويكيبيديا – نوردنوردويست)
تفرد الغياب
وبحسب البيان الصحفي الذي أصدره "معهد ماكس بلانك" تعقيبا على الدراسة، يقول كريس سترينغر، عالم الأنثروبولوجيا الباحث المشارك في الدراسة، إن "أسلافنا قد عاشوا في مجموعات كان من السهل التعرف عليها في السجل الأحفوري. بينما لم نعرف سوى القليل عن بعض المجموعات الأخرى".
ولذا فإن سترينغر يرى وجوب أن "تتسع عمليات البحث الميدانية عن أصل الإنسان القديم لتشمل مناطق كانت تعد هامشية في السابق لتطورنا، مثل وسط وغرب أفريقيا وشبه القارة الهندية وجنوب شرق آسيا".
وركزت الدراسة الحالية على 3 مراحل رئيسة في تاريخ أسلافنا يكتنفها العديد من التساؤلات، والتي رأت أنها ستكون مبحثا مهما للدراسات المستقبلية.
شملت المرحلة الأولى تاريخ أسلافنا منذ 40 إلى 60 ألف سنة مضت. بينما امتدت المرحلة الثانية في الفترة من 60 ألف إلى 300 ألف سنة خلت، وهي الفترة ذاتها التي شهدت آخر تواصل بين الأصول الأفريقية القديمة للإنسان العاقل (Homo sapiens) وبين مجموعات الأناسي القديمة مثل إنسان "النياندرتال" (Neanderthals) وإنسان "الدينيسوفان" (Denisovans). وأخيرا الفترة التي شهدت تمايز أسلاف الإنسان العاقل عن المجموعات البشرية القديمة الأخرى منذ حوالي 300 ألف سنة إلى مليون سنة خلت.
جمجمة لسلف الإنسان العاقل، ولكن نادرا ما طرحت كلمة "سلف" للدراسة (ويكيبيديا – فيليب جونز)
غياب التفرد
وبناء على الأدلة الحالية، فإن العلماء -قبل هذه الدراسة المرجعية- كانوا يُرجِعون بشكل قاطع أصل الإنسان العاقل إلى مكان محدد ونقطة زمنية معينة، غير أن العلماء في الدراسة الحالية يرون أن السمات التشريحية والسلوكية التي رُصِدَت من قبل وارتبطت بأول ظهور للإنسان العاقل تتناسب مع مجموعة من التواريخ التطورية وليست لنقطة زمنية معينة.
وفي الصدد ذاته، يقول بونتوس سكوغلاند من "معهد فرانسيس كريك"، إن "السجل الجيني والأحفوري لم يكشف حتى الآن عن مكان ووقت محدد لأصل جنسنا البشري، وهو الأمر الذي يخالف اعتقاد الكثيرين. ولذا فإن ربط نقطة زمنية معينة عُثِر عندها على غالبية أسلافنا في منطقة جغرافية محددة لا تعد فكرة سائغة".
ويمضي سكوغلاند قائلا إنه "يتعين علينا من الآن وصاعدا التخلي عن فكرة الأصل الزمني والمكاني الواحد لأسلافنا القدامى"، وبالتالي فإن قبولنا بهذه الفكرة يفتح الباب أمام أسئلة رئيسة "تتعلق بإيجاد الأسلاف المتنوعة التي تسد أي فجوة زمنية ومكانية في تاريخنا التطوري" كما تقول إليانور سكيري المشاركة في الدراسة من "معهد ماكس بلانك".
استعادة الحمض النووي القديم سيساعد في التعرف على أسلاف الإنسان الحديث (ويكيبيديا – سفانتي بابو)
إدخال تعديلات تقنية
ولكي نتمكن من الإجابة عن تلك الأسئلة، فإنه يتعين على المجتمع العلمي تطوير أساليب وإستراتيجيات يمكنها توسيع رقعة الكشف، وكذلك تضمين طرق جديدة للعثور على أي مادة بشرية حيوية كانت مخبأة عن أعيننا طيلة السنوات السابقة.
فعلى سبيل المثال، يعد استعادة وتتبع آثار الحمض النووي القديم (Ancient DNA)، وكذلك العثور على جزيئات حيوية في الحفريات أمرا بالغ الأهمية لتوسيع رقعة البحث. غير أن هذه الآليات تتطلب أن تصاحبها تعديلات تقنية جديدة لكي تتمكن من استعادة الحمض النووي القديم بكفاءة أكبر.
ومن ثم فإن الاختبارات المختلفة للسجلات الجينية والأحفورية والأثرية، بالإضافة إلى جمع المزيد من الأدلة البيولوجية كالحمض النووي القديم والعثور على أي معلومات قد تخبئها البروتينات القديمة، سيساعد دون شك في إظهار العديد من المفاجآت الجديدة التي ترتبط بأسلاف الإنسان الحديث.