هكذا تستجيب الأجنة لما يهدد مناعتها.. شاهد لأول مرة
باحثون في مركز التنظيم الجينومي الإسباني ينجحون لأول مرة في كشف وتصوير شكل الاستجابة المناعية في أجنة الفقاريات
تم تصوير أول علامة على الاستجابة المناعية في الفقاريات في جنين سمكة الزرد (معهد هوارد هيوز الطبي-فليكر)
نجح باحثون في مركز التنظيم الجينومي (CRG) الإسباني في الكشف عن الاستجابة المناعية الفطرية في أجنة الحيوانات الفقارية لأول مرة، وأظهر بحثهم المنشور في دورية "نيتشر" (Nature) في 10 فبراير/شباط الجاري أن الأجنة المشكلة حديثا تزيل الخلايا التالفة لتعظيم فرصها في البقاء على قيد الحياة.
وأفاد الباحثون بأنه قبل فترة طويلة من ظهور الأعضاء أو الخلايا المناعية المتخصصة، يمكن لطبقة نسيجية واقية بسيطة معروفة باسم الظهارة، الوصول إلى نتوءات تشبه الذراع تكتشف الخلايا التالفة وتبتلعها وتدمرها.هذه العملية الفعالة "المدهشة"، التي تم تصويرها في أسماك الزرد وتأكدت لاحقا في الفئران، هي أول علامة على الاستجابة المناعية في الفقاريات، ويمكن أن يساعد فهم كيفية عملها بشكل أفضل الباحثين في معرفة سبب فشل بعض الأجنة في الحالات المبكرة من الحمل، مما قد يؤدي إلى أساليب جديدة لعلاج العقم أو الإجهاض المبكر.
آلية إصلاح الأخطاء
من المألوف أن تنتج الأجنة أخطاء خلوية أثناء الانقسام السريع للخلايا، ويمكن أن يتسبب ذلك في فشل الجنين بأكمله، وفي الواقع، يُعتقد أن مثل هذه الأخطاء هي السبب الرئيسي لعدم بقاء الأجنة على قيد الحياة.
ولطالما اشتبه العلماء في وجود استجابة مناعية فطرية تحمي الأجنة الصغيرة الهشة من التهديدات مثل موت الخلايا والالتهابات والعوامل المعدية، وكشفت الأبحاث الحديثة عن مثل هذه الاستجابات في كل من الفئران والخلايا الجذعية الجنينية البشرية.
وقد وجد الباحثون دليلا على الإزالة المبرمجة للخلايا في المرحلتين الأوليين، الأريمة (Blastula) وهي عبارة عن كرة مجوفة، بسمك خلية واحدة تتألف من نحو 128 خليّة تحيط بجوف يملأه سائل، والمُعَيدَة (Gastrula)، وهي مرحلة أولية في التطور الجنيني يحدث فيها إعادة ترتيب للأريمة لتصبح هيكل متعدد الطبقات.
وباستخدام التصوير الحي رباعي الأبعاد لأجنة الفئران وأسماك الزرد، أظهر المؤلفون نوعين من "الأذرع" الظهارية التي يبدو أنها تلتهم وتدمر هذه الخلايا.
يُطلق على النتوء الأول اسم الكوب البلعمي، وهو يساعد على التقاط وابتلاع أهداف الموت المبرمج للخلية، وهي عملية تُعرف باسم البلعمة. ولا تختلف هذه البنية عما نراه في الكائنات الحية البالغة، حيث تعمل البلعمة الظهارية على إبقاء الأعضاء والأنسجة سليمة وبعيدة عن العدوى والالتهابات.
النتوء الثاني عبارة عن بنية سريعة -غير موصوفة سابقا- يمكنها دفع أهداف موت الخلايا المبرمج ميكانيكيا، مما يؤدي إلى وضعها في مواقع يمكن التحكم فيها.
تنتج الأريمة عن انقسام البويضة الملقحة، وهي المرحلة التالية لمرحلة التويتة (بيدالكا 44-ويكيبيديا)
إزالة الظهارة
ووفقا للدكتور ستيبان هوغمان عالم الأحياء الإنمائية بمركز التنظيم الجينومي والمؤلف الأول للدراسة، في تصريحه لموقع أخبار المركز، تتمثل إحدى المهام الأولى التي يؤديها الجنين النامي في تكوين نسيج وقائي.
ويوضح هوغمان "تتعاون الخلايا ميكانيكيا، مثل الأشخاص الذين يوزعون الطعام حول المائدة قبل تناول وجبتهم، وقد وجدنا أن الخلايا الظهارية تدفع الخلايا التالفة المعيبة نحو الخلايا الظهارية الأخرى، مما يسرع من إزالة الخلايا المحتضرة".
ويُظهر التتبع الثلاثي الأبعاد لهذه الخلايا المعيبة أنها تتراكم فعليا داخل الظهارة، مما يشير إلى أن هذه الطبقة الواقية تميز وتنتقي خلايا معينة وتبتلعها. وفي غضون ساعتين، وجد الباحثون أن الظهارة الجنينية يمكن أن تزيل 68 جسيما من جسيمات موت الخلايا المبرمج. وخلصوا إلى أن "هذه الملاحظات تؤسس لإزالة الظهارة كآلية لتصحيح الخطأ موجودة في مراحل الأريمة من التطور الجنيني".
ويعتبر سمك الزرد كائنا نموذجيا لدراسة التطور الجنيني، ولكن لمعرفة ما إذا كانت هذه الآلية موجودة أيضا في الثدييات، قام المؤلفون بدراسة هذا النوع من الاستجابة المناعية الفطرية في الفئران وتم توثيق وظائف مماثلة في الإنسان أيضا.
وكتب المؤلفون أنه "قد تساعد نتائج هذا الكشف الهام في الجهود المستقبلية لفهم سبب فشل بعض الأجنة في التكون في المراحل الأولى من التطور، وتؤدي إلى جهود إكلينيكية جديدة في علاج العقم أو الإجهاض المبكر".