عينات من الصخور بعد معالجتها بطريقة مبتكرة (جامعة طوكيو)
اكتشف علماء يابانيون مجموعات كثيفة من البكتيريا داخل شقوق صخرية في أعماق المحيطات. ويقدم هذا الاكتشاف أدلة على أن بيئات أخرى مثل بيئة كوكب المريخ يمكن أن تكون أيضا ملاذا للحياة المجهرية.
وقد شكل اكتشاف هذه الحياة المجهرية في تلك الظروف القاسية مفاجأة للباحثين، لذلك فهم يتوقعون العثور على شكل مماثل من الحياة المجهرية في المريخ كما يقول يوهي سوزوكي من جامعة طوكيو، المؤلف الرئيسي للدراسة المنشورة على موقع مجلة "نيتشر" في الثاني من أبريل/نيسان الجاري.
الطين مادة الحياة
يقول الباحثون إن الشقوق الصخرية البركانية التي تمت دراستها في أعماق المحيطات هي موطن لمجموعات من البكتيريا تضاهي كثافتها تلك الموجودة في الأمعاء البشرية المقدرة بحوالي عشرة مليارات خلية بكتيرية في كل سنتيمتر مكعب.
وهي كثافة عالية جدا مقارنة بمتوسط كثافتها في أماكن أخرى كالرواسب الطينية الأخرى في قاع البحر التي لا تتجاوز مئة خلية لكل سنتيمتر مكعب.
فعندما تنفجر البراكين الموجودة تحت سطح البحر تطلق حمما ساخنة تصل حرارتها إلى حوالي 1200 درجة مئوية، ثم تتحول عن
دما تبرد إلى صخور تتخللها شقوق ضيقة، قد لا يتجاوز عرضها المليمتر الواحد.
وعلى مدى ملايين السنين، تمتلئ هذه الشقوق بمواد طينية وبطريقة ما، تجد البكتيريا طريقها إلى تلك الشقوق وتتكاثر.
يقول سوزوكي "إن هذه الشقوق هي مكان ودود للغاية للحياة، فالمواد الطينية هي مادة سحرية على الأرض، فكلما عثرت على الطين، ستعثر كذلك على ميكروبات تعيش فيه".
شرائح من عينات الصخور الحاملة للبكتيريا (جامعة طوكيو) شرائح من عينات الصخور الحاملة للبكتيريا (جامعة طوكيو)
وكان الباحثون قد اكتشفوا هذه البكتيريا في عينات الصخور منذ عام 2010 في ثلاثة مواقع في المحيط الهادئ تقع بين جزيرة تاهيتي ونيوزيلندا، وصنفوها على أنها بكتيريا هوائية، مما يعني أنها تعتمد على الأكسجين والمغذيات العضوية لإنتاج الطاقة مثلها مثل الخلايا البشرية.
طريقة مبتكرة
قدر العلماء عمر عينات الصخور بـين 13.5 مليون و104 ملايين سنة. ولاحظوا أن المواقع الثلاثة التي أخذت منها كانت بعيدة عن أي فتحات مائية حرارية أو تيارات مائية تحت قاع البحر، لذا فإنهم يعتقدون أن البكتيريا وصلت إلى الشقوق بشكل مستقل ولم تحملها التيارات إلى هناك.
واستخدم الفريق طريقة مبتكرة في العثور على البكتيريا في عينات الصخور، فعوض إزالة الطبقة الخارجية للصخور وطحن محتواها الداخلي إلى مسحوق كما هو معمول به في الطرق التقليدية، قام سوزوكي وفريقه باستخدام طريقة مشابهة لما يقوم به علماء الأمراض بإعداد شرائح رقيقة جدا من عينات أنسجة الجسم لتشخيص المرض، بطلاء الصخور بطلاء خاص لدعم شكلها الطبيعي حتى لا تنهار عندما يقطعها إلى شرائح رقيقة.
ثم تم غسل هذه الصفائح الرفيعة من الصخور الصلبة بصبغة تلون الحمض النووي قبل وضعها تحت المجهر. وكانت المفاجأة تحت المجهر الإلكتروني، فقد بدت البكتيريا على شكل كرات خضراء متوهجة ومعبأة بإحكام في أنفاق متوهجة باللون البرتقالي، محاطة بالصخور السوداء.
صور مقطعية لعينات الصخور التي تحتوي على البكتيريا، الصخور البازلتية بالرمادي
صور مقطعية لعينات الصخور التي تحتوي على البكتيريا، الصخور البازلتية بالرمادي والمواد الطينية بالبرتقالي والبكتيريا بالأخضر (جامعة طوكيو)
بيئة مواتية
يأتي هذا التوهج البرتقالي من رواسب معدنية من الطين تسمى بـ "المادة السحرية" التي تمنح البكتيريا مكانا جذابا للعيش فيه. وقد حدد تحليل الحمض النووي الجينومي الكامل الأنواع المختلفة من البكتيريا التي عاشت في الشقوق.
ووجد الباحثون أن أنواع البكتيريا المستخلصة من العينات كانت متشابهة، لكنها ليست متطابقة، بسبب اختلاف أعمار الصخور في المواقع الثلاثة الذي يؤثر على المعادن التي تحتاج إلى زمن طويل للتراكم داخل الشقوق.
يرجح سوزوكي وزملاؤه أن الشقوق المليئة بالطين تركز المواد الغذائية التي تستخدمها البكتيريا كوقود. وهو ما يفسر سبب كون كثافة البكتيريا في الشقوق الصخرية أكبر من كثافة البكتيريا التي تعيش بحرية في رواسب الطين حيث تضعف مياه البحر العناصر الغذائية.
من المحيط إلى المريخ
يرى مؤلفو الدراسة أنه من المحتمل أن تكون معادن الطين التي تملأ الشقوق في صخور المحيطات العميقة مشابهة للمعادن التي قد تكون في الصخور الآن على سطح المريخ.
وكما يرى هؤلاء أن هذا الاكتشاف قد يعزز فرص العثور على شكل من أشكال الحياة عليها. وقد بدؤوا فعلا بالتعاون مع وكالة ناسا في تصميم خطة لفحص الصخور التي تم جمعها من سطح المريخ.