الفيلسوف الفرنسي جون بول سارتر (يمين) رفض الجائزة مبدئيا والمغني الأميركي بوب ديلان تجاهلها قبل استلامها (وكالات)
منذ بدأت الأكاديمية السويدية منح جائزة نوبل في الآداب عام 1901، لم تتوقف عن إثارة الجدل والنقد حول اختياراتها والقائمين عليها، لكن بعض الفائزين بالجائزة أثاروا الكثير من الجدل كذلك في أعقاب الإعلان عن فوزهم بها. ويستعرض التقرير بعض هؤلاء الأدباء ومواقفهم مثل الفيلسوف الفرنسي سارتر والفنان الأميركي ديلان.
ورفض الأديب الإيرلندي الشهير جورج برنارد شو استلام جائزة نوبل عام 1925 لعدم قناعته بأهميتها، وعلى طريقته المعتادة فقد سخر منها ومن مؤسسها، لكنه تراجع وقبلها بدون أن يأخذ المال النقدي وقال إن "القراء وجماهيري يزودونني بأموال أكثر من كافية لاحتياجاتي".





الكاتب الإيرلندي جورج برنارد شو سخر من نوبل وجائزته (ويكيميديا كومون)



سارتر يرفض الجائزة

في مفارقة عجيبة تخلى الفيلسوف الفرنسي الشهير جان بول سارتر عن كتابة الأدب في الأعوام الأخيرة من حياته، معتبرًا أن "الأدب بمثابة النهاية البرجوازية للالتزام الحقيقي في العالم". لكن المفارقة تمثلت في أنه حصل على جائزة نوبل للآداب في أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه، وقال إنه لم يكن يعرف قواعد الجائزة، وظن أنه بإرساله خطاب اعتذار للأكاديمية عندما أشيعت أخبار تداول اسمه كمرشح لنيل الجائزة، سيتوقف الأمر.



فيلسوف الوجودية الفرنسي جان بول سارتر (ويكيبيديا)

لكن فيلسوف الوجودية الشهير أدرك لاحقا أن منح الجائزة يكون دون الرجوع إلى رأي المستلم، ووفقا لملفات الأكاديمية السويدية التي أفرج عنها بعد 50 عاما، أرسل سارتر حينها قائلا إنه "لا يرغب في إدراجه في قائمة الفائزين بالجائزة، لا في العام 1964 ولا في المستقبل، وإنه لن يكون قادرا على قبول هذه الجائزة".
وقال سارتر إن أسباب رفضه الجائزة لا تخص الأكاديمية السويدية ولا جائزة نوبل في حد ذاتها، ولكنه اعتاد على رفض الأوسمة الرسمية والتكريم بما في ذلك "جوقة الشرف" عام 1945 بعد الحرب العالمية الثانية. كما يرى أن الكاتب يجب أن يتبنى مواقف سياسية أو اجتماعية أو أدبية فقط بالوسائل الخاصة به أي الكلمة المكتوبة، مضيفا أن التكريم يعرض أفكاره لضغط لا يريده.
ديلان ينالها

في نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2016 أبلغ المغني والشاعر الأميركي بوب ديلان الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم أنه سيقبل جائزة نوبل للآداب التي منحته إياها، ليصبح أول مغن ينال الجائزة.

واشتهر ديلان -وهو مغن وكاتب كلمات أميركي- مع انطلاقته الفنية بداية ستينيات القرن الماضي، حيث صارت بعض أغانيه رموزا للحركات الاحتجاجية وسط الشباب. وقد أصدر ألبومات كثيرة جلها ناجح، وازداد نجمه سطوعا بعد ارتباط أغانيه بالحركات الاحتجاجية التي ظهرت بداية ستينيات القرن الماضي، فبات حديث الناس.
ومع حلول العام 1964 أصبح المغني الشهير يحيي أكثر من مئتي حفل في العام الواحد، وعبّرت أغانيه مثل "بلوين إن ذا ويند" و"ماسترز أوف وور" وغيرهما عن روح التمرد والمعارضة والاستقلال.
وقالت الأكاديمية السويدية وهي تعلن عن منح ديلان الجائزة التي تبلغ قيمتها ثمانية ملايين كرونة (نحو 930 ألف دولار)، إن "ديلان يمثل رمزا تأثيره عميق في الموسيقى المعاصرة". وقال عضو الأكاديمية السويدية بير واستبرغ "هو في الأغلب أعظم شاعر على قيد الحياة"، بينما ذكرت الأمينة العامة الدائمة لأكاديمية نوبل سارة دانيوس في مؤتمر صحفي أنه كان هناك "توافق رائع" في قرار اللجنة لمنح ديلان الجائزة.
تردد أديب روسي

منحت جائزة نوبل للآداب عام 1970 للأديب والمعارض السوفياتي ألكسندر سولجينتسين الذي لم يحضر الاحتفال في ستوكهولم خشية أن يمنع الاتحاد السوفياتي عودته، وجرى تهريب روايته التي لم تنشر بشكل علني في موطنه لتصبح متداولة في أوروبا.
لكن القصة لم تنتهِ عند هذا الحد إذ رغم أن الأكاديمية السويدية اختارته فائزا بالجائزة، فقد رفضت الحكومة السويدية عقد حفل توزيع الجوائز ومحاضرة استلام الجائزة في سفارتها بموسكو كما طلب الأديب السوفياتي، وعليه رفض سولجينتسين الجائزة بالكامل، وعلّق على أن الشروط التي وضعها السويديون -الذين فضّلوا إقامة حفل خاص- كانت "إهانة لجائزة نوبل نفسها".
لكن سولجينتسين عاد وتراجع عن موقفه وقبل الجائزة يوم 10 ديسمبر/كانون الأول 1974 بعدما نفاه الاتحاد السوفياتي، ويشير بعض النقاد إلى أنه حصل على الجائزة بسبب موقفه السياسي، وليس على خلفية القيمة الأدبية لأعماله.


تولستوي لم ينلها

تم ترشيح الروائي الروسي الشهير ليو تولستوي لجائزة نوبل في الأدب كل عام بدءًا من 1902 إلى عام 1906 لكنه لم يفز، وفي السنة الأولى من عام 1901 لم يتم ترشيحه، مما أدى إلى جدل كبير وانتقادات تعرضت لها الأكاديمية السويدية، وفي السنة الأولى ذهبت الجائزة إلى الشاعر الفرنسي سولي برودوم، وفي العام التالي للمؤرخ الألماني ثيودور مومسن.
وتشير التقارير إلى أن تولستوي لم يحصل على الجائزة بسبب تحفظات هيئة الأكاديمية السويدية على مواقفه السياسية والدينية، وكذلك على خلفية علاقة السويد المتوترة مع روسيا في ذلك الوقت.
وفي العام 1901 كتب 42 كاتبا وأديبا سويديا -بينهم أوغست ستريندبرغ- خطابا إلى تولستوي، معربين عن استيائهم من القرار.




الكاتب الروسي الشهير ليو تولستوي لم ينل جائزة نوبل (بيكسابي)


شتاينبك لا يستحقها

في العام 1962، حصل المؤلف الأميركي جون شتاينبك على جائزة نوبل للآداب عن كتاباته الواقعية والخيالية التي "جمعت بين روح الدعابة والتعاطف الاجتماعي"، بحسب اللجنة المانحة للجائزة. لكن الاختيار انتقد بشدة ووصف بأنه "واحد من أكبر أخطاء الأكاديمية السويدية". وتساءلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن سبب منح لجنة نوبل الجائزة للمؤلف الذي "تصنف موهبته المحدودة -في أفضل كتبه- في المرتبة العاشرة".

وأجاب شتاينبك نفسه عندما سئل إن كان يستحق جائزة نوبل في يوم الإعلان، فقال "بصراحة، لا". وفي العام 2012 (بعد 50 عاما من ذلك التاريخ حسب قواعد الجائزة)، افتتحت جائزة نوبل أرشيفها وجرى الكشف أن شتاينبك كان "خيارا توفيقيا" من بين قائمة مختصرة تضم شتاينبك والمؤلفين البريطانيين روبرت غريفز ولورنس دوريل، والمسرحي الفرنسي جان أنويله، والمؤلف الدانماركي كارين بليكسن.
وأظهرت الوثائق التي رفعت عنها السرية أنه تم اختياره كأفضل الخيارات السيئة، وكتب حينها عضو الأكاديمية السويدية هنري أولسون "لا يوجد أي مرشح واضح لجائزة نوبل، ولجنة الجائزة في وضع لا يحسد عليه".