من هو الأديب الروسي بوريس باسترناك الذي يحتفي به غوغل اليوم؟
رفض الاتحاد السوفياتي نشر رواية باسترناك، قبل أن يتم تهريبها وترجمتها وتصبح رواية عالمية
الشاعر والروائي الروسي بوريس ليونيدوفيتش باسترناك ولد في 10 فبراير/شباط 1890 وتوفي منتصف عام 1960 (مواقع التواصل الاجتماعي)
في الذكرى الـ130 لميلاد الشاعر والروائي الروسي بوريس ليونيدوفيتش باسترناك (1890-1960) غيّر محرك البحث الشهير غوغل شعاره احتفالا بالأديب الذي انتقد الدكتاتورية الشيوعية في بلاده ورفض استلام جائزة نوبل للآداب لعام 1958 بعد أن غضب الحزب الشيوعي السوفياتي وطلب منه عدم استلامها، وبالفعل لم يسافر لحضور التكريم، ولم تنشر روايته "دكتور زيفاجو" في الاتحاد السوفياتي إلا في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي.
ورغم رفض اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية نشر رواية باسترناك (1957) فإنه تم تهريب المخطوطة التي كتبها الروائي الروسي إلى إيطاليا، حيث نشرت هناك وأجبرت الحكومة السوفياتية باسترناك على التواصل مع الناشر لسحب المخطوطة، لكن الأخير رفض، معتبرا أنه لا يحق له حجب تحفة فنية عن العالم، وسرعان ما ترجمت الرواية إلى الإنجليزية لتصبح واسعة الانتشار.
لم يشتهر باسترناك في بلاده كشاعر رغم مجموعته الشعرية البديعة "حياتي الشقيقة"، لكن روايته المؤثرة عن الاتحاد السوفياتي استقبلها العالم بحفاوة.
ولد باسترناك لأب يهودي، وتحول إلى الكنيسة الأرثوذكسية التي أثرت على شعره بوضوح، ودرس الفلسفة وكان رساما وأستاذا للفن، فيما كانت والدته عازفة بيانو شهيرة، وترجم أعمالا أدبية عالمية لشكسبير وغوته وشعراء جورجيين أحبهم الزعيم السوفياتي ستالين، وبدا أن توجهه الأخير أنقذه من الاعتقال أثناء حملات التطهير السوفياتية.
القصة المفجعة للثورة الروسية
صور الكاتب والشاعر الروسي الشهير بوريس باسترناك في روايته الرائعة "دكتور زيفاجو" فشل طريق التغيير الثوري الدموي، وخلد مآسي الثورة الشيوعية، وجسد فيها خطأ العمر والتاريخ والذي ترتكبه الثورات وهي تعمل بنفس الآليات القديمة ولو كانت ردة فعل عمياء على مظالم تاريخية وفظائع ارتكبها نظام ما.
تتبع باسترناك تاريخ المظالم الروسية قبل الثورة وخلالها وأثناء الحرب الأهلية من خلال حياة طبيب شاعر يدعى يوري جيفاكو، وخلال زمن الرواية رسم المؤلف صورا مأساوية للحالة التي كانت عليها روسيا في المراحل الثلاث، وكيف دفع الإنسان الروسي أثمانا فادحة -رغم أنفه في كثير من الأحيان- للانعتاق من النظام القديم، ولمواجهة جنون النظام الثوري الجديد، بحسب التقرير الذي أعده ناصر يحيى للجزيرة نت سابقا.
غلاف رواية "دكتور جيفاكو" مترجمة للعربية وعرضها الأديب المصري طه حسين (مواقع التواصل الاجتماعي)
صار البؤس والجوع والصقيع قواسم مشتركة في ظل النظام الثوري، وحتى الخبز أصبح عملة التداول للشراء والبيع بين البشر الباحثين عن طعام لأطفالهم مقابل أي شيء كي لا يموتوا جوعا، وصارت حفنة طحين مادة للرشوة تفتح كل الأبواب المغلقة، لدرجة أن الطبيب الشاعر سرق حفنة من الخشب ليوفر الدفء لعائلته في شتاء روسيا.
الطبقة الجديدة الثورية الحاكمة باسم العمال كانت خارج هذه المعاناة، وظهرت المفارقة من خلال قيام شقيق بطل الرواية البلشفي العتيد بإهداء شقيقه المصاب بالتيفوس بسبب رعايته للمرضى الكثير من الخبز الأبيض والزبدة والشاي المسكر والقهوة والأرز والعنب، وهي الأشياء غير الموجودة في السوق.
وعلى طول رحلة بطل الرواية الهارب من موسكو للعيش في الريف -بناء على نصيحة شقيقه البلشفي- يرسم المؤلف صورة مفزعة للأوضاع نتيجة الخيار الثوري الدموي: المصانع مغلقة، والعمال عاطلون، والقتل في كل مكان، والإعدامات للخصوم والخونة، سواء من قبل الحمر البلاشفة أو البيض المعارضين.
خلاصة التجربة
في رحلة الهروب قابل دكتور جيفاكو في القطار سامديفياتوف، وهو أحد الناشطين الاشتراكيين السابقين، وشاهدا الدمار والخراب الذي حل في كل مكان والحرائق التي نشبت في المدن والقرى والمزارع والقطارات المدفونة في الثلوج.
غوغل يحتفي بالأديب الروسي الراحل بوريس باسترناك (مواقع التواصل الاجتماعي)
وأقر الثوري السابق بالأخطاء والسياسات الفاشلة التي وقعت وإن كان بررها بأنها حتمية، لكن الطبيب الشاعر ألقى له بخلاصة التجربة والمعاناة، وهي أن الحل هو في التغيير السلمي الذي يظل رغم بطئه أقل تكلفة إنسانيا، أو كما قال "كنت ثوريا متحمسا، ولكني أفكر الآن في أنه ليس هناك ما يمكن الحصول عليه بالقوة الغاشمة، الشعب يجب أن يساق إلى الخير، بالخير".
وفي رسالة كتبها إلى أخته جوزفين تذكر باسترناك كلمات صديقته إيكاترينا كراشينيكوفا التي قالت له "لا تنس نفسك لدرجة الاعتقاد بأنك أنت من كتبت هذا العمل، لقد كان الشعب الروسي ومعاناته هما من صنعاه، الحمد لله على نعمة التعبير عنه بقلمك".