الشاعرة العراقية الراحلة، آمال الزهاوي، لقبت بشاعرة الأدب والثورة والميثولوجيا والتصوف، وقضت أيامها الأخيرة مثل نخلة باسقة في بستان احتله الغرباء، وعاثوا به فسادا.
إضافة إلى الشعر لدى الراحلة آمال الزهاوي كتابات أدبية ومساهمات ثقافية متنوعة (مواقع التواصل الاجتماعي)
تعد الشاعرة آمال الزهاوي واحدة من الشاعرات القلائل، اللاتي تصدرن المشهد الشعري في العراق بعد نازك الملائكة، وهي آخر شاعرات جيل الستينيات بكل ما يحمله من ملامح نضوج.
وإلى جانب إبداعها الشعري مارست الزهاوي كتابة القصة القصيرة، ولديها كتابات أدبية، ومساهمات ثقافية متنوعة.وفي فجر 11 فبراير/شباط 2015 نعت وزارة الثقافة العراقية الشاعرة عن عمر ناهز 69 عاما، بعد صراع طويل مع المرض، معتبرة رحيلها خسارة لا تعوّض للشعرية العراقية والعربية.
مسيرتها
ولدت الشاعرة آمال عبد القادر الزهاوي في بغداد عام 1946، ونشأت في أكناف عائلة عرفت بالثقافة والعلم، حيث إن جدها هو الشيخ محمد فيضي مفتي بغداد، وعمها هو الشاعر جميل صدقي الزهاوي.
ويقول الروائي نعيم آل مسافر، إن الشاعرة الزهاوي هي من جيل الستينيات الشعري، ومن عائلة عُرفت بالأدب والسياسية، فمن رموزها المشهورة الشاعر الكبير جميل صدقي الزهاوي، رائد التفكير العملي والنهج الفلسفي.
وقد واصلت الشاعرة الراحلة تعليمها الأكاديمي حتى حصلت على شهادة اللغة العربية من كلية الآداب في جامعة بغداد، وعملت في مجال الصحافة والتدريس.
وفي حديثه للجزيرة نت، يرى آل مسافر، أن البيئة التي نشأت فيها الزهاوي، أثرت في تجربتها الحافلة بـ7 مجاميع شعرية بالإضافة إلى إسهاماتها الأدبية.
عبرت الزهاوي في شعرها عن الكثير من القضايا الوطنية والوجودية والإنسانية (مواقع التواصل الاجتماعي)
أعمالها الشعرية
وما يميز الشاعرة الراحلة هو ذلك الثقل المعرفي، الذي كوّن ثقافتها، فقد كانت على مستوى مرموق من الثقافة، وفق أستاذة الأدب والنقد الحديث الدكتورة إسراء حسين جابر.
وتبيّن الجابر في حديثها للجزيرة نت، أن تميّز الزهاوي يتضح في دواوينها التي أصدرتها من عام 1969 إلى 2000.
وتذكر أن من أهم دواوين الزهاوي، ديوان (الفدائي والوحش) الصادر عام 1969، و(الطارقون بحار الموت) الصادر 1970، و(دائرة الظلمة) الصادر 1975، و(إخوة يوسف) الصادر 1979، و(تداعيات) الصادر 1982، و(يقول قيس بن ساعدة) الصادر 1987، و(شتات) الصادر 2000.
وتتابع الجابر أنه قد صدرت للزهاوي مجموعة بعنوان (البنفسج) وأخرى (نسج العنقاء)، وآخر مجاميعها (لب الألباب)، وهي قصيدة شعرية ملحمية تعكس محنة العراق ابتدأتها برموز شعرية سومرية.
ومن قصيدة لها بعنوان (فراشة)، تقول الزهاوي:
آه لو أغدو فراشة
والمسافات جناحان تَشدّان الهوى
في جسدي
يتعرى داخلي الكون
يصب الورد في قلبي رحيقا
من بشاشة
بدورها تقول الكاتبة العراقية، رحمة الراوي، إن أبرز ما يميّز قصائد الزهاوي هو أنوثة شعرها، وجمال بغداد والعراق، الذي تجلى في كل تفاصيل قصائدها، والحياة الصاخبة في بغداد الستينيات والسبعينيات، والحزن الذي بدأ يظهر شيئا فشيئا كلما ازدادت الحياة قسوة في بلدها.
وتبيّن الراوي للجزيرة نت، أن ديوان (آبار النقمة)، كان من أوضح ما عبرت من خلاله عن مشاعرها ويأسها مما آل إليه حال العراق، وما سببته نعمة النفط من نقم متتالية.
تفوق مبكر
وتفوقت الزهاوي على بنات جيلها من الشاعرات في ستينيات القرن الماضي، وأخذت تتصدر المشهد الثقافي الإبداعي بجرأة ووعي لتشكل اسما بارزا وتجربة شعرية ناضجة، كما تقول جابر.
وتضيف، أن الزهاوي امتلكت في وقت مبكر صوتا خاصا له القدرة على التعبير عن الكثير من القضايا الوطنية والوجودية والإنسانية، ومثلت دواوينها الأولى العروبة والغيرة العربية.
وبالإضافة إلى (شاعرة البنفسج)، تنوّه جابر إلى أن الزهاوي حازت على العديد من الألقاب، منها (نخلة العراق) و(إمبراطورية الشعر العرب)، وذلك لنضجها المبكر وقدرتها على التعبير عن الأسطورة، التي فتح مغاليقها الشاعر بدر السياب، وحاول الكثير من الشعراء توظيفها.
وفي سياق متصل، يقول الشاعر وليد الصراف إن آمال الزهاوي كانت واحدة من شاعرات العراق، مع نازك الملائكة وعاتكة الخزرجي ولميعة عباس؛ لكنها تأتي بعدهنّ في التسلسل الفني وإمكانية الكتابة.
ويروي الصراف للجزيرة نت، أنه التقى الزهاوي لأول مرة في إحدى مشاركاته بمهرجان المربد في أواخر التسعينيات في بغداد، ووجدها امرأة محترمة ومثقفة؛ لكنه لا يراها بمستوى نازك الملائكة وبدر السياب، على حد قوله.
الصراف يرى أن الزهاوي تأتي بعد نازك الملائكة وعاتكة الخزرجي ولميعة عباس من حيث إمكانية الكتابة
جرأة وغموض
واظبت الزهاوي على طرح القضايا التي تمس الواقع عموما، وواقع المرأة في المجتمع، إلى جانب تجسيدها لمعاناة شعبها، وما يعانيه من ألم الفقد والعوز والضياع، وفق جابر.
وتبيّن أستاذة النقد والأدب الحديث، بأن كل هذه المضامين جاءت ضمن اشتغالات متميزة، اعتمدت فيها الشاعرة الموروث الديني والأسطورة والقناع والرمز والموروث الشعبي في لغة شعرية تعتمد الغموض في بعض من قصائدها.
وتؤكد أن هذه الجرأة هي جزء من طبيعة تكوين الشاعرة لا سيما في مواقفها السياسية المختلفة، وهي آراء كلفتها الكثير من المتاعب والويلات؛ مما اضطرها لمغادرة العراق إلى سوريا ومنها إلى عمّان.
أيامها الأخيرة
وعاشت الزهاوي صراعا طويلا مع مرضها العضال كما هي أقدار الكبار، حتى توفيت عن عمر ناهز 69 عاما حافلا بالأدب والسياسة، في إحدى مستشفيات بغداد. ودفنت في الأعظمية، وفق آل مسافر.
ويضيف، أن شاعرة الأدب والثورة والميثولوجيا والتصوف، قضت أيامها الأخيرة مثل نخلة باسقة في بستان احتله الغرباء، وعاثوا به فسادا، تاركة خلفها نافذة نسوية في صرح الثقافة العراقية لتكمل بعدها المتأثرات بها من الأجيال اللاحقة.
وحول الإهمال الذي تعرضت له الشاعرة في سنواتها الأخيرة، يرى الروائي آل مسافر أن الاتهام لا يوجه للحكومة وحدها بإهمال المبدعين ومنهم آمال الزهاوي، إنما "إخوة يوسف" كان لهم دور مشابه، وربما هو أكثر إيلاما لها، وهذه واحدة من نبوءاتها الكثيرة في شعرها، تلك النبوءات المليئة بالقلق والأسئلة الكبيرة.
فيما تختم الكاتبة رحمة الراوي بالقول حين رحلت الزهاوي، انطوت صفحة جميلة وباهرة من كتاب شعراء العراق، ومن كتاب الجمال والأدب الرقيق، انطوت الصفحة؛ لكن الذكر سيظل مستمرا دائما.