(السبنر)... آلة تدوير العقول

تختلف أذواق الأشخاص تبعا لتباين البيئة الاجتماعية والوضع الاقتصادي ويشمل هذا الاختلاف عموم الأمور التي نمارسها كالقراءة والتجميل... أو التي نستهلكها كالمواد الغذائية والثياب أو أي شيء نعتمد استخدامه كالأثاث والسيارات... الخ من الأمور؛ وهذا أمر طبيعي جدا فلولا اختلاف الأذواق لبارت السلع كما ورد في المثل , الا ان حينما يجتمع غالبية الناس على امر معين ويحقق في زمن قياسي رواج منقطع النظير فالأمر يدعو للتوقف والانتباه ؛ إذ أن هناك بعض المواد تتوفر فجأة في الأسواق بكميات هائلة ويقبل لاقتنائها معظم الناس دون معرفة فوائدها أو اضرارها أو حتى سبب أنتشارها الكبير. والأمر يتلخص ببساطة بتقليد الأخرين؛ أي إن الغاية من شراء مادة معينة هو التأثر برأي معين حول هذه المادة قد يكون رأي خاص من قبل أشخاص أو عام كظهوره في مادة أعلانية – ترويجية وهذا تحديدا ما يدعو للقلق والإرباك إذ تعد بعض الشركات التي تنجح في تسويق مادة معينة خلال زمن قياسي عن طريق بث بعض المعلومات الغير دقيقة حول المنتج أمر في غاية الخطورة قد يسبب لانتشار ظاهرة سلبية تتسرب في عموم المجتمع وتفرز تداعيات تمتد لفترة طويلة.
ومن هذه المواد التي غزت الأسواق مؤخرا وسعى لشرائها الصغير والكبير بمختلف الأسعار بحسب الحجم والنوعية هو (السبنر) تلك الآلة البسيطة في صناعتها وعملها حيث يتكون من ثلاث أجنحة تتمركز على محور قابل للدوران حيث يدور بسرعة كبيرة اثناء ضرب أحد الأجنحة ويستمر دورانه حسب نوعية السبنر وقوة الضربة .
يعلل الكثيرون استخدام هذه الألة بداعي إنها تقلل من التوتر ويتهافتون على استخدامها من أجل ذلك وتتضارب الآراء حول أصل هذه الألة فثمة من يقول أن امرأة صنعتها لأبنتها المصابة بالتوحد لتقلل من دورانها حول نفسها فمن المعروف إن بعض مرضى التوحد يقومون بالدوران حول أنفسهم مدة طويلة وإن السبنر يخفف من هذا الدوران لأنه يحفز تركيزهم حول دوران أجنحته ومدة توقفها , والبعض الآخر يقول أنه يستخدم في بعض العيادات لتقليل فرط التوتر ألا إن الكثير من التجارب الشخصية والممارسات العملية تثبت عكس ذلك لأن استخدام هذه الآلة يحتاج لتركيز وانتباه حول دوران اجنحتها مما يرفع معدل التوتر وليس العكس.
ما ورد آنفا يدل على أن الزخم الإعلاني للمنتج له القدرة على التلاعب في بعض عقول المستهلكين وإجبارهم بصورة غير مباشرة على اقتناء سلعة معينة والترويج لها بصورة مخالفة تماما عن الهدف من صناعتها وغالبا ما تصنع هذه السلع بغياب الهدف والفائدة والرقابة ولا يعدو الأمر أكثر من تجارة رخيصة تسخر المستهلكين لدعم مبطن لإعلاناتهم بأن يكون المستهلك قناة إعلانية لمادتهم دون تكلفة, وما يؤكد ذلك هو تفاقم تكلفة صنع السبنر وخروجه من أطار اللعبة ليدخل حيز القطع النادرة التي تصنع من الذهب والماس وبحرفية عالية وحتى تمت صناعته باحجام هائلة لا تتناسب مع حمله باليد وكل هذا يوضح أن هذه اللعبة ماهي إلا لعبة تجارية وليست لعبة أطفال.
ولا بد من توجيه ملاحظة في غاية الأهمية وهي أن الأطفال ربما يكونوا غير قادرين على التمييز والتفريق بين الفائدة والضرر إذ أن حاجتهم تتلخص بالتسلية, ألا إن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو كيف لا يميز الكبار إن هذه الآلة ورواجها ما هو إلا صفقة تجارية تهزأ بعقول البشر الذين كان من الأجدر بهم بدلا من أن يستخدموا الأصبع في ضرب السبنر أن يقوموا بطرق رأسهم من زاوية العقل علّهم يتنبهوا لمثل هكذا ظواهر عقيمة تقود المجتمع للتخلف والانحسار.