روايات فؤاد التكرلي تدور حول "الإنسان" وتؤرّخ للمجتمع العراقي
فؤاد التكرلي يعدّ من أبرز الأسماء عربيا وعراقيا في عالم القصة والرواية (مواقع التواصل)
يعدّ القاضي والروائي العراقي فؤاد التكرلي واحدا من أبرز مؤسسي فن القصة والرواية الكلاسيكية الحديثة في العراق، وقد تميّز نتاجه الأدبي باحتوائه على لمسات فنية وأساليب فريدة، فضلا عن القيم الفكرية والاجتماعية.
وبعد مسيرة حافلة ترك خلالها إرثا مميزا من الإبداع الثقافي، توفي الراحل في الأردن في صبيحة 11 فبراير/شباط 2008، عن عمر ناهز 81 عاما، بعد صراع طويل مع المرض.
أعرب التكرلي عن ألمه العميق لعدم استطاعته التعبير عن فصول مأساة العراق (الصحافة العراقية)
بداياته
ولد الأديب العراقي فؤاد عبد الرحمن محمد سعيد التكرلي في بغداد عام 1927، وأكمل دراسته فيها حتى تخرج من كلية الحقوق عام 1949.
ويبين القاص والكاتب ميثم الخزرجي أن التكرلي عمل محاميا ثم قاضيا، حيث تم تعيينه في محكمة بداءة بغداد عام 1964.
وبعدها حصل على إجازة لإكمال دراسته في فرنسا، وبقي هناك عامين قبل أن يعود ليعمل خبيرا قانونيا في وزارة العدل العراقية. وفي عام 1987 أحيل إلى التقاعد، وعاش في تونس عدة سنوات بعد تقاعده، حيث عمل في سفارة العراق فيها.
لروايات التكرلي أهمية بالغة لأنها تؤرخ للمجتمع العراقي وما عاناه الفرد والمجتمع
ويشير الخزرجي في حديثه للجزيرة نت إلى أن التكرلي نشر أولى قصصه القصيرة عام 1951 في مجلة الأديب اللبنانية بعنوان "همس مبهم"، ثم واصل الكتابة في أغلب الأجناس الأدبية، مثل القصة والرواية والمسرح، والمقالات الأدبية.
وبدوره، تحدّث أستاذ الأدب والسرد العربي الحديث الدكتور باسم صالح حميد، عن تأثر التكرلي بصديقه وأستاذه ذنون أيوب الذي أسهم في تطوير الرواية العراقية.
وفي حديثه للجزيرة نت، يبيّن حميد أن الراحل بدأ كتابة القصة القصيرة في خمسينيات القرن العشرين، ثم كتب روايته الأولى "الوجه الآخر" التي شهدت نضجا فنيا لافتا ومعرفة عميقة بأسرار الكتابة الروائية.
نتاجه الأدبي
تتميز روايات فؤاد التكرلي في أسلوبها الفني الجميل، ولغتها الجاذبة، و"الثيمة" التي تشكل المحور الأهم لجذب المتلقي والإمساك به، والتجديد والحداثة في السرد، بحسب الروائي والقاص فلاح العيساوي.
ويوضح في حديثه للجزيرة نت أن الطابع المشترك بين روايات فؤاد التكرلي هو "الإنسان" وهمومه ونوازعه النفسية، وفقره المادي والمعنوي، ومشاكله مع المجتمع، ومشاكله بسبب أوضاع المجتمع، والحرمان العاطفي، وحرمانه من أدنى حقوقه المشروعة بسبب سياسات الحكام.
ويضيف الروائي والقاص أن التكرلي في روايته "الرجع البعيد"، خرج من هيمنة الراوي العليم إلى الراوي من خلال ضمير المتكلم.اعلان
ويعتبر العيساوي جميع روايات التكرلي مهمة وبارزة، حيث إنها تؤرخ للمجتمع العراقي، وما عاناه الفرد والمجتمع، فالروائي هو مصلح اجتماعي يتناول قضايا المجتمع بحرفية أدبية ويقوم بتشخيص الحالات المرضية وإبرازها أمام المتلقي حتى تكون عبرة ودرسا إنسانيا، وتشخيص المرض هو بداية مهمة تسبق مرحلة العلاج.
العيساوي أكد أن الطابع المشترك بين روايات فؤاد التكرلي هو الإنسان وهمومه ونوازعه النفسية
وعن أبرز نتاجات التكرلي الأدبية يذكر: "بصقة في وجه الحياة"، التي كتبها سنة 1948، وتأخر طبعها حتى عام 1980 بسبب موضوعها الجريء. ويعدد روايات أخرى، مثل: "الرجع البعيد" (1980)، و"خاتم الرمل" (1995)، و"المسرات والأوجاع" (1998)، و"اللاسؤال واللاجواب" (2007).
الكلاسيكية الحديثة
حاول التكرلي تجاوز السرد التقليدي والثيمات الكلاسيكية، التي شاعت في المرحلة الواقعية من الرواية العراقية، ونجح في نقل الرواية العراقية نقلة نوعية، كما يقول حميد.
ويعزو أستاذ الأدب والسرد العربي الحديث ذلك إلى موهبة الراحل واطلاعه على الأدب العالمي، ولا سيما الفرنسي، ومن خلال رؤيته الفلسفية والفكرية وتجاوزه لمفاهيم الأدب التربوي أو الرسالة الاجتماعية للأدب، وخوضه في القضايا النفسية والفكرية للشخصية المأزومة التي ليست مع المجتمع أو حتى ضده، لافتا إلى أن كل هذه القضايا غيرت من وجه السرد العراقي الحديث.
وفي الإطار ذاته، يقول القاص والروائي العيساوي إن التكرلي اسم عربي وعراقي كبير في عالم القصة والرواية، وقد عدّه النقاد من رواد الأدب العراقي الحديث في الرواية والقصة، حيث كان مدرسة متجددة في كتابة الرواية الواقعية الحديثة التي سلطت الضوء على الحياة الاجتماعية العراقية.
تأخر طبع رواية "بصقة في وجه الحياة" سنوات طويلة بسبب موضوعها الجريء
مرآة المجتمع
وتحظى أغلب أعمال الراحل الكثيرة برواج وصدى جيد، بسبب قربه من الواقع وملامسته هموم الناس، ودرايته العميقة في تحليل بواطن المجتمع، وكذلك حيازته المهمة لمآسي الواقع المعاش مما يعطيه مقبولية لدى المجتمع، بحسب الخزرجي.
ويلفت أمين الشؤون الثقافية في نادي السرد بالنجف، إلى أن نتاج التكرلي هو مرآة عاكسة لواقع الإنسان وهمومه، فقد أسس وتبنى هذا النهج في قصصه الأدبية، وبالتالي عبّر عن كمّ المحن التي واجهها الإنسان العراقي، مثل محنة الحصار الاقتصادي في التسعينيات ودوّنها في رواية.
كما أن عمله في سلك المحاماة والقضاء جعله على تماس واضح مع جميع شرائح المجتمع بمختلف أسمائهم، كما يرى الخزرجي. وتبنى التكرلي همّ الواقعية، وهذا نسق مخبوء تبعا لعمله إذ لا ضرورة للمجاملة أو المماحكة في سياق العمل، مما أثّر تأثيرا واضحا على نتاجه الأدبي، لذا تلاحظ ذلك الرجل الملتزم الواقعي، البعيد عن الخيال والفانتازيا.
بينما يبدي العيساوي إعجابه بقصص التكرلي التي تبرز وتشخّص الحالات المرضية في المجتمع، والتي أدان بها الواقع المريض من خلال أغلب شخوص قصصه التي تعاني من اضطرابات نفسية بسبب مشاكل المجتمع، من فقر مادي ومعرفي وغيرهما.
وقبل رحيله، أعرب التكرلي عن ألمه كونه لا يستطيع التعبير عن فصول مأساة العراق، فالوضع هناك مهول ويستعصي على أيّ روائي وصفه مهما كانت عبقريته.