الباحث المصري محمد عبد الله يقود فريق جامعة كاليفورنيا ريفرسايد لأدق القياسات الممكنة إلى الآن لكمية المادة في الكون كله (يوريك ألرت)



تمكن فريق بحثي من جامعة كاليفورنيا ريفرسايد (University of California, Riverside) الأميركية من القيام بواحد من أدق القياسات الممكنة إلى الآن لكمية المادة في الكون كله؛ الأمر الذي قد يساعد في فهم أفضل لتطور الكون وأكبر أسراره.
وقاد هذا الفريق الباحث المصري محمد عبد الله، الذي يعمل بقسم الفيزياء والفلك بالجامعة نفسها وكذلك بالمعهد القومى للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية المصري.
ونشرت الدراسة -التي قام بها الفريق- في دورية "ذا أستروفيزيكال جورنال" (The Astrophysical Journal)، وأعلنت عنها الجامعة في بيان رسمي يوم 28 سبتمبر/أيلول الماضي.


عناقيد عصيّة

وحسب الدراسة الجديدة، فإن كمية المادة في الكون هي 31.5% (مع هامش مضاف لها أو مطروح منها مقداره 1.3%)، ولأننا نعلم أن الكون يتركب من مادة وطاقة مظلمة، فإن الأخيرة تتواجد في كوننا الواسع بنسبة 68.5%، ولا نعرف عنها شيئا بعد أكثر من كميتها في الكون.
وللتوصل إلى تلك النتائج، قام الفريق باستخدام أداة لقياس كتل عناقيد المجرات الضخمة بدقة شديدة تسمى "غال-ويت" (GalWeight)، وأثبتت هذه الأداة كفاءة عالية مقارنة بنماذج سابقة لها، صممها محمد ورفاقه وأعلن عنها في دراسة بالدورية نفسها عام 2018.
عناقيد المجرات هي تجمعات لعدد كبير من المجرات المرتبطة معا، وهي ظاهرة كونية شائعة، مجرتنا مثلا (درب التبانة) تنتمي لعنقود مجرات يسمى "المجموعة المحلية" (Local Group)، ويحوي 54 مجرة.




حسب الدراسة الجديدة، فإن كمية المادة في الكون نحو 31.5% وتتواجد الطاقة المظلمة بنسبة 68.5% (محمد عبد الله-يوريك ألرت)


نتائج واعدة

وفي حال رغب باحث ما في قياس كمية المادة في الكون، فإنه سيحاول قياس كتل مجموعة من عناقيد المجرات، ثم يعمم النتائج على الكون كله، لذلك فإن دقة الأداة المستخدمة هي المعيار الرئيسي لدقة القياس، مجرة واحدة إضافية في الحسابات، أو مجرة تم استبعادها بالخطأ، ستمثل انحرافا كبيرا في النتائج النهائية.
باستخدام "جال-ويت"، قام الفريق البحثي بفحص بيانات مجموعة كبيرة من العناقيد المجرية الصادرة من مسح سلون الرقمي للسماء (Sloan Digital Sky Survey)، وهو مسح لمكونات السماء يجريه تلسكوب ضوئي موجود في مرصد أباتشي بوينت (Apache Point Observatory) بولاية نيو مكسيكو الأميركية.
بعد ذلك، عمم الفريق نتائجه ليحصل على صورة دقيقة جدا لكمية المادة في الكون، لكن هذه النسبة التي توصل لها فريق محمد عبد الله البحثي (31.5%) ليست نسبة ما نعرفه من المادة، المتمثلة في كل ما نراه تقريبا، بما في ذلك هاتفك الذكي والسيارات في الشوارع والنجوم والمجرات، ولكنها أيضا تضم الصورة الأخرى من المادة، وهي الأكثر كثافة في الكون بفارق 4 أضعاف، إنها المادة المظلمة.






أسرار الكون

المادة المظلمة (Dark matter) هي ذلك الكيان الذي يغلف المجرات، ويمنع نجوم أطرافها من الهروب، ويتصور العلماء أنه لولا تلك الأغلفة المجهولة لما تكونت المجرات ولما ظهرت الحياة.
تلك المادة المظلمة لا تشع أي شيء نعرفه ولا تتفاعل مع أي شيء، ونعرف تأثيرها عبر الجذب فقط، بمعنى أنها تؤثر على محيطها عن طريق قوة الجاذبية الخاصة بها، وهو ما أمكن لهذا لفريق البحثي رصده وقياسه.
ويأمل باحثو الدراسة أن تساعد أداتهم الدقيقة، والبيانات الجديدة التي حصلوا عليها، في تطوير فهمنا لتركيب هذا الكون؛ تاريخه ومستقبله، وربما يأتي يوم نتمكن فيه من التوصل إلى الإجابة عن أهم أسراره وأكثرها دفعا للحيرة إلى الآن: ما الطاقة والمادة المظلمتان؟