يا من تختلف معي، اعتبرني أنا الشمس وأنت القمر، أنا أشع حرارة ولوناً أصفر محمرا، وأنت تعكس الضوء الأبيض الجميل البارد، وأنا أضيء لكل داب في الأرض طريق حياته نهاراً، وأعطيه الدفء والأمل، وأنت تضفي عليه التأمل والهدوء والسكينة والراحة ليلاً.
هنا سيدي يقع اختلاف كبير في عطائنا وتنوع في نتاجنا، لكن هذا لا يمنع أن نبقى متلازمين ومتحابين في وطن واحد, وضمن الأسرة التي تصنع المجتمع المتكامل الذي تسوده الألفة.
فالخلاف يعني عدم الاتفاق والوفاق، أي وجود عين لمشكلة ما، وإشكال بين طرفين، وهو سلبي منبوذ، والاختلاف يعني التـنوع والتعدد، أي وجود أكثر من رأي، وبعد في وجهة النظر، وهو صحي وإيجابي محمود. أنسيت أن في الاختلاف رحمة وعطاء وتغييرا وكسرا للروتين، ألا تعلم أن شبق الجمال الحقيقي يُستلـذ بوجود الاختلاف، وإن اختلاف الألوان في قوس قزح يزيد نوافذ عيوننا بهجة وأنسا، واختلاف أصابع أيدينا تزيدها مزايا ووظائف، واختلاف أذواقنا ونكهات طعامنا تزيد من مساحة التنافس والعطاء الإبداعي، وإن تعدد مشارب عقـول البشر تزيدها علماً وفقهاً وثقافة.
نعم، يوجد اختلاف في مذاهبنا ولهجاتنا، واختلاف بلون بشرتنا، وكثير من الاختلافات التي نراها هنا وهناك، لكن ما ذكرت لا يمنع أن أكون جارك بالعمارة أو بالفيلا، وأن يفـصل بيننا جدار واحد يردد صدى قلوبنا، وأن نفترش ترابا واحدا وتغطينا سماء واحدة، ويلعب أولادنا معاً بالشارع والمدرسة، ويهب علينا نسيم الهواء العليل ليلاً، ويقف العصفور فوق جدارك ليطرب أذني نهاراً.. لم لا يحدث كل هذا ؟! فقد أختلف معك في مسألة، لكن تبقى باقي القضاياً نقاط التقاء بيننا، فإذا وجدت لكلانا كذا وجهة نظر بالساحة، فهذا طبيعي بتعدد طريقة وجود البشر أصلاً، في الموقع واللغة والدين واللون، وهو الأفضل! حيث إن سخونة الاختلاف تؤول نحو ساحة تلاقح الأفكار، فتخلق الإثراء والتجدد والتعدد والحركة الدؤوبة، لتضمن استمرارية العطاء الفكري، ولو اتـفـقت كل العقول على رأي ما، لأصبحت على وتيرة واحدة ورتابة باردة، كبحيرة راكدة بلا سمك تحرك مياهها وتثري فيها الحياة.