أنّ جميع آيات القرآن الكريم واضحة وجليّة وصريحة ومُحكمة :
قَالَ تَعَالَى : ﴿كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ - [سُّورَةُ فُصِّلَتْ : 3.]
قد يقول قائل :
أنّ القرآن فيه متشابه لقوله تعالى : ﴿وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ .

سنجيبه :
أكمل الآية للأخير لتعلم من هم الذين تشابهت عليهم الآيات : ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ - [سُّورَةُ آلَ عِمْرَانَ : 7.]
لقد تشابهت بعض الآيات على القوم الظالمين والمنقلبين على أعقابهم بعد استشهاد النبي محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، فحرفوا الكلم عن مواضعه وفسروا القرآن بحسب أهوائهم :
قَالَ تَعَالَى : ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ - [سُّورَةُ آلَ عِمْرَانَ : 144.]
وَقَالَ تَعَالَى : ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا - [سُّورَةُ المَائِدَةِ : 41.]
وَقَالَ تَعَالَى : ﴿أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ - [سُّورَةُ المُؤْمنُونِ : 105.]
= = = = =

فجميع الآيات مُحكمة وصريحة وواضحة وجليّة .
قَالَ تَعَالَى : ﴿الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ - [سُّورَةُ هُودٍ : 1.]
بل أنّها قد فُصلت تفصيلاً من لدن حكيمٍ خبيرٍ !
وهم الراسخون في العلم والمطهرون من الرجس المأمونون على كتاب الله :
قَالَ تَعَالَى : ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ - [سُّورَةُ آلَ عِمْرَانَ : 7.]
ولقد قطعت هذه الآية الكريمة الطريق على كلِّ من يريد التفسير والتأويل للقرآن الكريم بغير عِلْمٍ من الراسخين في العلم . وإنّ معنى الرسوخ الثبات ، أي ثبت الشيء في الذهن . والراسخون في العلم : أي الثابتون فيه والعارفون ببواطنه . والراسخون في العلم المشار إليهم في الآية الكريمة هم النبي محمد وعترته (صلّى الله عليهم وسلّم) . فالوحيد الذي يعلم علوم القرآن هو النبي محمد (ص) ومن بعده عترته (ع) ؛ وذلك لأنّ الآية جاءت بصيغة الجمع بمعنى (راسخون) ولم تأتِ بصيغة المفرد (راسخ) .
قَالَ تَعَالَى : ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ
* فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ - [سُّورَةُ الْوَاقِعَةِ : 77 - 79.]
والمس أعمُّ من لمس المتوضئ لكلمات القرآن بيده ؛ بل المسّ يشمل الإطلاع الكامل على حقيقة معانيه وأسراره وهو أمرٌ لا يتيسر إلّا للنبي محمد وعترته لأنّهم طاهرون مُطهرون من الرّجس تطهيراً . ومن الأدلة على ذلك هي آية التطهير المباركة : قَالَ تَعَالَى : ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا - [سُّورَةُ الْأَحْزَابِ : 33.]
= = = = =

بالنسبة لنزول آية التطهير في حق النبي وعترته (ص) :-
1- في بَيْتي أُنزِلَتْ: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33]. قالتْ: فأَرسَلَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى فاطمةَ وعليٍّ والحَسنِ والحُسينِ، فقال: هؤلاءِ أهلُ بَيْتي. وفي حديثِ القاضي والسُّلَميِّ: هؤلاءِ أهْلي، قالتْ: فقُلْتُ: يا رسولَ اللهِ، أمَا أنا مِن أهلِ البيتِ؟ قال: بلى إنْ شاء اللهُ تعالى.
الراوي : أم سلمة أم المؤمنين | المحدث : الحاكم | المصدر : السنن الكبرى للبيهقي .
الصفحة أو الرقم: 2/150 | خلاصة حكم المحدث : صحيح سنده ثقات رواته .
2- لمَّا نزلت هذِهِ الآيةُ على النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ : {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} في بيتِ أمِّ سلمةَ فدعا فاطمةَ وحَسنًا وحُسينًا فجلَّلَهم بِكساءٍ وعليٌّ خلفَ ظَهرِهِ فجلَّلَهُ بِكساءٍ ثمَّ قالَ اللَّهمَّ هؤلاءِ أَهلُ بيتي فأذْهِب عنْهمُ الرِّجسَ وطَهِّرْهم تطْهيرًا قالت أمُّ سلمةَ وأنا معَهُم يا نبيَّ اللَّهِ قالَ أنتِ على مَكانِكِ وأنتِ على خيرٍ
الراوي : عمر بن أبي سلمة | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الترمذي .
الصفحة أو الرقم: 3205 | خلاصة حكم المحدث : صحيح .
= = = = =
انتهى بعد ثبت أنّه لا وجود للمتشابه أبداً وإنّما فقط الذين في قلوبهم زيغٌ تشابهت عليهم آيات الذكر الحكيم . وكلُّ الكتاب الكريم محكمٌ وواضحٌ وصريحٌ وجليٌّ وعربيٌّ مفصلٌ يعرفه الراسخون في العلم والمطهرون من الرجس وهُم النبي والعترة (صلّى الله عليهم وسلّم) .