درب التبانة كما يرى في سماء الليل من بيردوسيدو بإسبانيا (رويترز)
درب التبانة هي المجرة التي ينتمي لها شمسنا وبقية نجوم السماء التي ترى ليلاً، ولكثرة نجومها وطمْس بعضها لبعض سميت أم النجوم، ولأنها تسير كالنهر غير منتظم الشكل سمتها العرب كذلك نهر المجرة، ففيه يتسابق الفوارس وإليه ترد النعائم وعنه تصدر، وهو الذي يعبر بين النجمين الشعريين، الشعرى الشامية والشعرى اليمانية.
ولعل اسم درب التبانة ظل لغزاً لدى الكثيرين، فهو طريق غيمي أبيض يعبر خصوصاً بين نجوم الصيف، تلك المنطقة المكتظة من النجوم التي تتجه نحو مركز المجرة، وكأن بائعاً للتبن يسير على دابته فيتساقط منه التبن ليترك أثراً أبيض كبياض النجوم في السماء يصل إلى مركز المجرة حيث برج القوس الذي يعلو الأفق الجنوبي في يوليو/تموز، فهناك تتكدس أكثر نجوم المجرة لأننا ننظر باتجاه المركز وما خلف المركز.
وفي المركز يقع الضيف المقيم إلى الأبد، ذلك الثقب الأسود العملاق الذي تزيد كتلته على أربعة ملايين كتلة شمسية، وبالقرب منه وعلى مسافة مئتي سنة ضوئية فقط، يقبع ثقب أسود عملاق آخر تصل كتلته إلى مئة ألف كتلة شمسية.
والثقب الأسود هو نجم انهار على نفسه فانسحقت مادته الهائلة في حيز ضيق جداً يدعى أفق الحدث لو جمعنا فيه كتلة الشمس لانجمعت في كرة قطرها ستة كيلومترات فقط. وفي المجرة أكثر من مئة مليون ثقب أسود ناتجة عن انفجارات نجمية تدعى السوبرنوفا أو المستعرات العظمى ينتهي بها أجل النجم وتولد بها عناصر الكون التي هي عناصر الأرض والإنسان.
ودرب التبانة ليست بالمجرة العملاقة كما هو حال مجرة الصوفي المعروفة بالأندروميدا، فمجرتنا ذات قطر يبلغ 120 ألف سنة ضوئية، بمعنى أن الضوء لو أراد أن يسافر من أقصى يمينها إلى أقصى يسارها لاستغرق الأمر 120 ألف سنة. ولحسن حظنا ولكي تستقيم الحياة على الأرض في هذه المجموعة الشمسية، وضع الله الشمس على مسافة كبيرة من مركز المجرة تبلغ 27 ألف سنة ضوئية، ولولا ذلك لما كانت شمسنا النجم الوحيد الذي يشرق في سماء الأرض، ولكانت لنا شموس متعددة وربما لا نعرف الليل أبداً.
الصوفي (الأندروميدا) أبعد مجرة في السماء يمكن رؤيتها بالعين المجردة
وتصنف درب التبانة كمجرة حلزونية ذات أربع أذرع رئيسة، هي ذراع الجبار وذراع برشاوس وذراع القوس وذراع قنطورس. وهي مجرة يتصف مركزها بالممتد خلافاً لما كان يعتقد بأن كروي الشكل.
ويبلغ عدد نجوم مجرتنا قرابة مئتي ألف مليون نجم، تصنف الشمس من بينها كنجم قزم ذي لون أصفر وبدرجة حرارة سطحية لا تتجاوز الستة آلاف درجة، خاصة إذا ما قورنت مع النجوم الأكثر حرارة، وبالطبع الأكبر حجماً كالبيضاء والزرقاء. وأما النجوم البرتقالية والحمراء فهي أصغر من الشمس وأقل حرارة لكنها تعيش أعماراً تفوق عمر الشمس المفترض بعشرات المرات.
فعمر شمسنا حتى اليوم هو 4600 مليون سنة، ومن المتوقع لها أن تعيش مثل ذلك أو أكثر قليلاً، في حين أن نجوم المجرة الكبيرة كالزرقاء تعيش مليار سنة على الأكثر لأنها تلتهم مادتها بسرعة كبيرة، وهذا يجعل احتمال نشوء كواكب ذات حياة حولها أمراً مستحيلاً بسبب قصر عمر النجم نفسه، أما النجوم الحمراء فتطول أعمارها إلى مئة مليار سنة ويكون احتمال نشوء حياة على كواكب حولها كبيراً، لكن اكتشافها ليس أمراً سهلاً لخفوت تلك النجوم وشدة قرب كواكبها منها.
وليست درب التبانة سوى مجرة واحدة من بين مجموعة مجرات تدعى المجموعة المحلية، تتكون من قرابة أربعين مجرة متجاورة تفصل بين الواحدة وجارتها بضعة ملايين من السنين الضوئية.
وتدور حول مجرتنا سحابتان مجريتان قريبتان بعض الشيء تدعيان سحابة ماجلان الكبرى وسحابة ماجلان الصغرى، فالكبرى تبعد 160 ألف سنة ضوئية ويمكن بواسطة المراصد الأرضية الكبيرة تمييز نجومها، في حين أن السحابة الصغيرة تبعد مئتي ألف سنة ضوئية، وكلاهما تريان بالعين المجردة من المناطق القريبة من خط الاستواء، ويعد الخريف أفضل فصل لرؤية هاتين المجرتين، لكنهما ليستا أبعد أجرام السماء رؤية بالعين المجردة، بل إن مجرة الصوفي -التي وصفها عبد الرحمن الصوفي في كتابه صور الكواكب الـ 48 باسم اللطخة السحابية- هي أبعد جرم يراه الإنسان بعينه المجردة على بعد 2.6 مليون سنة ضوئية.
صورة بالأشعة تحت الحمراء لسحابة ماجلان الصغرى التقطها تلسكوب الفضاء "سبتزر" التابع لناسا
وفي المقابل، فإن أقرب المجرات مجرة متصادمة مع مركز مجرتنا بل ومتداخلة معه وتدعى مجرة القوس أو الرامي، وهي مجرة قزمة كحال سحابتي ماجلان، ولأنها تتصادم مع المجرة من الناحية الأخرى من المركز فلم يكن الأمر سهلاً على العلماء أن يرصدوها.
لكن الأمر الأصعب من كل ذلك هو كيف تمكن العلماء من رسم صورة لمجرة درب التبانة وهم بداخلها، فهل يمكن الخروج بعيداً للحصول على هذه الصورة، أم أن حضارة أخرى في مجرة أخرى أرسلت لهم تلك الصورة الدقيقة التي تحدد شكل المجرة وموقع الشمس منها؟
الحقيقة أنها الحواسيب العملاقة، فهي صاحبة الفضل في ذلك، حيث يقوم العلماء بإدخال بيانات مئات الملايين من النجوم والتي تمت دراستها عن طريق تلسكوبات الفضاء التي تعمل على مسح السماء ودراسة الخصائص الفيزيائية للنجوم كل على حدة، وبمعرفة هذه البيانات تقوم الحواسيب العملاقة بنمذجة شكل المجرة الذي يظهر لنا شكلها وأذرعتها والغازات المكونة لها.
وإذا كانت الشمس تستغرق 225 مليون سنة لتكمل دورة واحدة حول مركز المجرة بسرعة 250 كلم في الثانية الواحدة، فهذا يعني أنها أكملت منذ خلقت عشرين دورة فقط.
غير أن الأغرب من كل ذلك هو أن مجرتنا -وبعد ثلاثة مليارات سنة من الآن- سيتغير شكلها تماماً لأن مجرة الصوفي ستتداخل معها لتكوّنان معاً اندماجاً مجرياً فريداً يغير شكل السماء إلى شكل غير الذي نعرفه، كما هو الحال مع الأرض التي ستكون بدورها قد آلت إلى أرض قاحلة غاب عنها الماء والهواء بل وربما ذابت صخورها أو طحنت بسبب تمدد سطح الشمس واقترابه منها، أو بسبب عوامل أخرى كهطول نيزكي يدك جبالها ومعالمها دكاً.