{دولية: الفرات نيوز} أعطت عمدة باريس آن هيدالغو الأسبوع الماضي الضوء الأخضر لبدء إجراء تغييرات دراماتيكية كاملة تطال شارع الشانزليزيه، وهو الشارع الأكثر شهرة في العاصمة الفرنسية.
وتنوي خطة التغيير، التي تبلغ تكلفتها 305 ملايين دولار، لتحويل مساحة بطول 2.3 كيلومتراً، تمتد من ميدان الكونكورد وصولاً إلى قوس النصر إلى "حديقة استثنائية".
وبناءً على التصميم الذي وضعه مهندسو العمارة في شركة "بي سي إيه - ستريم" (PCA-Stream)، ستقتصر المساحة المخصصة للسيارات على النصف تقريباً، في حين تزيد تغطية الأشجار للمنطقة بشكل كبير، وتسعى لجذب المزيد من المتاجر الصغيرة على طول جوانب الشارع.
ومن المقرر الانتهاء من المشروع الذي تمَّ التفكير فيه مؤخراً، الذي أُطلق عليه اسم "تجديد سحر الشانزليزيه"، بحلول عام 2030. وعلى الرغم من أنَّ الشارع لا يزال، إلى حدٍّ كبير، يحتفظ بسمعته العالمية، كونه يعدُّ "أجمل شارع في العالم"، إلا أنَّ شعبية شارع الشانزليزيه انخفضت بين الباريسيين، منذ فترة ليست بالقريبة.
شارع مبتذل
وعلى الرغم من المباني الضخمة، وآفاقه الواسعة الهائلة، فقد تمَّ انتقاد الشارع على نطاق واسع في فرنسا لكونه ملوَّثاً، ومزدحماً، ومكلفاً، حتى تمَّ وصفه على أنَّه "مبتذل" ومهترئ بفضل تشبُّعه بمحلات العلامات التجارية، والحركة السياحة الكثيفة.
ولم يعد تراجع حب الباريسيين من السكان المحليين لشارع الشانزليزيه سراً، فقد وجد مسح أجري في عام 2019 أنَّ 30% من الباريسيين لا يوافقون على صفة "الأجمل"، وهي نسبة أخذت بالارتفاع، كلما كان المشاركون في المسح يعيشون بالقرب أكثر من الشارع، كما رفض 71% من المشاركين في المسح اعتبار الشارع "مكاناً سياحياً". حتى أنَّ المدينة في مقترحاتها للتجديد اعترفت أنَّ الشارع معروف حالياً على أنَّه نقطة تجمُّع "العلامات العالمية الكبيرة التي يعتقد أنَّها باتت تبدو باهتة، ولا تحمل أيّ طابع استثنائي."
وتمتلك معظم المدن الكبرى مركزاً تجارياً ربما يكون باهتاً، ولكنَّه مشهور، ويؤدي الوظيفة السياحية والتجارية ذاتها، منها على سبيل المثال، ميدان "تايمز سكوير" في نيويورك، أو شارع "لايدزبلين" في أمستردام أيضاً.
وتكمن المشكلة الأساسية في شارع الشانزليزيه في أنَّه "مبتذل"، وفي الوقت نفسه مكلف للغاية ليكون في متناول الجميع، حتى أنَّ مجموعة العلامات التجارية المحلية، مثل علامة "لويس فيتون" الضخمة، تجعل عروض البيع بالتجزئة في هذا الشارع تبدو كأنَّها في مطار باهظ الثمن.
ولا يذهب المتنزِّهون للشارع للتسوُّق فحسب، ولكن حتى حركة مرور المركبات الثقيلة، والمساحات الكبيرة من الأسفلت المشع بالحرارة، جعلت المكان أبعد عن المثالية بالنسبة لشرفات المقاهي أيضاً.
وخلال الفترة الماضية، قرر السكان المحليون الابتعاد عن الشارع. ووفقاً لدراسة أجرتها شركة "بي سي إيه - ستريم" حول تدفُّق الأشخاص إلى المنطقة، فإنَّه إذا اسُتبعد عدد موظفي المتاجر من الزوار، فإنَّ زوَّار الشانزليزيه الذين يعيشون في منطقة باريس الكبرى، لا يشكّلون سوى 15% من زوَّار الشارع الشهير.
وتعدُّ الرغبة في تحويل الشارع إلى معلم أكثر منه مركزاً تجارياً إشارة تبشر بالخير بالنسبة لهؤلاء.
وبالرغم من أنَّ التغيير الجديد لن يحوِّل الشارع إلى معلم عصري بصورة تلقائية، إلا أنَّه سيجعل منه بالتأكيد مكاناً أكثر متعة لقضاء الوقت، على غرار مشاريع التخضير، والتشجير، والمشاريع التي تسعى إلى تقليل السيارات، التي تمَّ تنفيذها بالفعل في أماكن أخرى في باريس.
وتُظهر الرسوم الحالية للتصاميم (التي قد يتمُّ تعديلها لاحقاً) كيف يتضاعف عرض الأرصفة، في حين يتمُّ تقليل مسارات السيارات في الشارع إلى أربعة. وذلك حتى حول قوس النصر، الذي يمثِّل تقاطعاً متعدد الأذرع يربط جميع الطرق لحركة شمال غرب باريس.
ويظهر التصميم مسارات واسعة تحيط بجانبي الطريق للدراجات، وتظهر المركبات المتبقية في الشارع، وهي تختلط بسلام (وبصورة متفائلة إلى حدٍّ ما) مع المشاة، مما يشير إلى أنَّه سيتمُّ أيضاً خفض سرعة السيارات، وهو أمر لم يتم إعلانه بعد. أما مساحات المشاة فستكون مظللة بواسطة خط أشجار مضاعف حديث، كما سيتم إزالة جزء من الرصيف أسفلها لإنشاء سطح أكثر امتصاصاً لمياه المطر.
وسيشهد الطرف الشرقي للمنطقة في ساحة الكونكورد أكبر تغيير، وهو تغيير مطلوب لابدَّ من تنفيذه قبل دورة الألعاب الأولمبية لعام 2024 على عكس باقي المشروع، إذ سيتمُّ إعادة تشكيل جمالية الساحة الرائعة، والقاحلة، والمختفية وراء خطوط المرور عن طريق زراعة المكان.
متاجر أكثر أصالة
وسوف تظلل الأشجار المساحة الشاسعة من حجارة الرصف الموجودة الآن، و تعيد تشكيل نوافير الساحة بشكل جديد، كما تمَّ التخطيط لطريق رئيسي على الحافة الجنوبية للميدان، وزراعة المكان بالمروج الخضراء والشجيرات. ومن المحتمل أن يفقد المكان مناظره الشاملة عبر الساحة في عدَّة نقاط، إلا أنَّ التصميم سيجعل المشاة يشعرون بسهولة الوصول إليه. وسيصبح من الممكن في نهاية المطاف عند ربط الحدائق الموجودة ببعضها، السير من متحف اللوفر وصولاً إلى قوس النصر تحت ظلال وفيرة، واستنشاق هواء أنظف في مساحة خضراء تتناثر فيها المقاعد ونوافير المياه.
وتنطبق الحاجة إلى التغيير أيضاً على المحال التجارية الموجودة على طول الطريق. إذ استنتجت دراسة لآراء المواطنين أنَّهم يرغبون بـ "متاجر أكثر أصالة، وأكثر تمثيلاً لفرنسا"، بناءً على ما قالته إدارة المدينة. لتتسم "بالتركيز على فن العيش الفرنسي، والمهارة، وفن الطهي".
و نظراً لشعبية الشارع مع السياح، والإيجارات التجارية المرتفعة التي تلزم المحلات أن يكون لها معدَّل مبيعات مرتفع، فقد يؤدي هذا التوجه إلى إنشاء نسخة عن منتزه للثقافة الفرنسية يمكن أن يكون له في حدِّ ذاته جوانب مبتذلة. ومع ذلك، فإنَّ الرغبة في جعل الشارع معلماً أكثر منه مركزاً تجارياً إشارة مبشرة بالخير.
وبالرغم من التصاميم المبشرة بالخير، فإنَّها لا تنفي حقيقة أنَّ هذا التحوُّل لشارع الشانزليزيه إلى مكان أكثر هدوءاً، بالإضافة إلى خلُّوه من السيارات؛ قد يقود إلى صدمة في المدينة، إذ كان هذا الشارع طريقاً رئيسياً، وشكَّلت حركة المرور فيه جزءاً من المشهد الباريسي.
بدون سيارات
وفي الماضي البعيد، الذي سبق الاعتراف بالأضرار التي تسببها السيارات، كان النسيج المتشابك لسيارات "سيترون"، و "رينو" الفرنسية الصنع، حول قوس النصر يعدُّ مشهداً باريسياً جوهرياً. ودليلاً على أنَّ حياة المدينة كانت صاخبة، وربما قذرة؛ لكنَّها ديناميكية وحيوية أيضاً. وقد يرغب قليلون في الحفاظ على هذا المشهد. ولكن خلو شارع الشانزليزيه من السيارات سيجعله مكاناً مختلفاً بشكل ملحوظ، ليتحوَّل إلى طريق محوري رائع لم يعد مخصصاً بشكل أساسي لحركة السيارات.
ومنذ أكثر من عقد من الزمان، اجتاح تحوُّل مشابه إلى حدٍّ ما مفترق طرق في مدينة أمريكية، وهو ميدان "التايمز" المخصص للمشاة جزئياً في مدينة نيويورك، الذي
لا يزال يثير حنين بعض سكان نيويورك إلى الماضي. وقد تواجه عمدة المدينة بعض الباريسيين الذين هم أيضاً ضد إبعاد السيارات على طول هذا الشارع، فقد شهدت حملتها المتعددة السنوات لتخليص المدينة من هيمنة السيارات مقاومة في الماضي. ولكن إذا ما استمرت موجة التخلُّص من السيارات هذه، كما الأمر في مدن أوروبية أخرى، بما في ذلك بروكسل ومدريد وغيرهما، فربما سوف يشهد مستقبل المساحات الحضرية الكبرى تحولاً يجعلها أقل اضطراباً وجنوناً.