مسيلمة بن حبيب الحنفي، أشهر المتنبئين وأخطرهم في الجزيرة العربية، وهو من يعرف في كتب السير والتاريخ والتراجم بمسيلمة الكذاب، وقد ادَّعى النبوَّة في اليمامة بين اليمن ونَجْد قرب البحرين في قبائل بني حنيفة، وشكلت حركته تهديدا واضحًا لدولة الإسلام الناشئة في زمن أبي بكر الصديق.
القضاء على ردة مسيلمة الكذاب
اتجه خالد بن الوليد إلى اليمامة للقضاء على ردة بني حنيفة، وجمع مسيلمة أربعين ألفًا من قومه، وتقدم بهم لمواجهة خالد، فكانت موقعة عقرباء العنيفة، التي أبدى فيها المهاجرون والأنصار بسالة منقطعة النظير، وأبدى بنو حنيفة مقاومة وجرأة شهد بها خالد بن الوليد، وكان جيش المسلمين حوالي 000 11 مقاتل، فيهم ألفان وخمسمائة من المهاجرين والأنصار وبقيتهم من أهل البوادي ممن ثبتوا على إسلامهم.
وفي بداية اللقاء تراجع المسلمون أمام قوة أعدائهم وكثرتهم حتى وصلوا رحالهم فصرخ شجعانهم وقادتهم بهم، وطلب الأنصار من خالد بن الوليد أن يمتاز الناس فتقاتل كل قبيلة على حدة، فأجابهم الى ذلك فقاتل المهاجرون في جبهة، وقاتل الأنصار في جبهة، وقاتلت كل قبيلة في جبهة، ليتبين القوي من الضعيف ويعرف من أين يؤتى المسلمون.
تنافس الجميع في القتال وتمكنوا من أن يصدوا بني حنيفة إلى حديقة الموت[1] ثم اقتحموها عليهم وقتلوا مسيلمة، والرجَّال بن عنفوة، ومحكم اليمامة، وهم زعماء بني حنيفة، وقد أسفرت المعركة عن استشهاد عدد كبير من المسلمين قدرتهم الروايات ما بين 450 إلى 1700 شهيد، وثمة روايات ذكرت أنهم 1200شهيد فيهم ثلاثون أو خمسون من حملة القرآن، مما اعتبر حافزًا لجمع القرآن في خلافة أبي بكر، أما قتلى بني حنيفة فقد بلغت بهم بعض الروايات 000 10 قتيل، بينما أوصلتهم روايات أخرى إلى 000 21 قتيل، وما زالت آثار قبور الشهداء من الصحابة ظاهرة على مقربة من بلدة الجبيلة القريبة من حديقة الموت.
وقد انتهت المعركة بالصلح بعد أن كادت بنو حنيفة أن تفنى وبعد أن أنهكت الحرب قوات المسلمين وأتت على صفوة من خيارهم وأثخنت بالجراح بقيتهم، وعقد خالد الصلح مع مجاعة بن مرارة الحنفي- وكان قد أسره قبل المعركة- على أن يعود بنو حنيفة إلى الإسلام ويسلمون حصونهم ونصف أموالهم وسلاحهم ونصف السبي (أو ربعه) وبعض مزارعهم.
وقد استعرض أحد الباحثين المعاصرين آراء بعض المستشرقين وتقويمهم لحركة مسيلمة ثم قال: "وقد يتفق الباحث مع كثير من آراء الباحثين السابقين عن طبيعة حركة مسيلمة، من حيث كونها حركة لبست مسوح الدين وادعت النبوة لتحقيق أغراضها في الاستقلال، في ظل فراغ سياسي كان يخيم على الجزيرة العربية وتعزيز المكانة القبلية لبني حنيفة ومنافستهم لقريش، وعدم قبولهم الخضوع والتبعية للمدينة، وتطلعاتهم إلى إقامة كيان قوي مماثل لكيان المدينة، يحافظ على مصالحهم السياسية والزراعية والتجارية، لكن حركة مسيلمة تظل مع ذلك حركة مصطنعة ضحلة الفكر والعقيدة، وبخاصة إذا ما قورنت بالإسلام وسمو مبادئه وشمول عقيدته وشريعته، التي تخطت كثيرًا القبلية والاقليمية والقومية، وجاوزتها إلى الانسانية العالمية وبذلك هزمت تلك الحركة وأمثالها بالفكر والعقيدة، قبل أن تهزم في ميادين الجهاد والاستشهاد، فكانت أقرب ما تكون بذلك إلى حركة رد فعل متسرع ومفتعل ضد حركة إسلامية صادقة وأصيلة"[2].
قصة الإسلام
[1] كانت أرض اليمامة أرضًا زراعية، بها الكثير من البساتين والحدائق والحقول، وكانت بمثابة ريف الحجاز عمومًا، وكان "لبنى حنيفة" حديقة هائلة، لها أسوار عالية، وأبواب حصينة يلجأون إليها وقت الأزمات، فلما دارت عليهم رحى المسلمين فى الحرب وطعنتهم، وعضهم القتل فروا جميعًا إلى الحديقة، وهناك دارت فصول معركة أشبه بالأساطير، وأطلق على تلك الحديقة بعدها حديقة الموت، لكثرة من قتل بها من "بنى حنيفة".
[2] أكرم بن ضياء العمري: عصر الخلافة الراشدة محاولة لنقد الرواية التاريخية وفق منهج المحدثين، مكتبة العبيكان، الرياض، الطبعة الأولى، 1430هـ- 2009م، ص407- 409.