أصبح الآن بالإمكان التحكم في وظيفة الحمض النووي باستخدام الضوء (بيكسابي)
الحمض النووي هو أساس الحياة على الأرض، إذ يعتبر بمثابة المسودة الإرشادية المسؤولة عن العمليات البيولوجية التي تحدث داخل الخلية. كما أنه يعتبر كتاب التاريخ الخاص بالكائن الحي والذي يُخزّن عليه جميع المعلومات الجينية التي اكتسبها من أبويه، ويحتاجها لتخليق المُرَكبات الوظيفية المختلفة.
حديثا، طورت مجموعة من الباحثين بجامعة مونستر في ألمانيا (University of Münster) آلية للتحكم في وظائف الحمض النووي باستخدام الضوء. ستُمكن هذه الدراسة -التي نشرت بدورية "آنجيفانتيه تشيمي" (Angewandte Chemie) في 5 أكتوبر/تشرين الأول الماضي- العلماء من التحكم في وظائف الخلية، ومن بينها عمليات التعديل فوق الجينية (epigenetics) التي تحدث على الحمض النووي.
تعديلات فوق جينية
تعمل التعديلات فوق الجينية على إضفاء خصائص إضافية على الحمض النووي غير موجودة بالتسلسل التقليدي للوحدات الأساسية المكونة له. وتؤدي هذه التغيرات المُكتَسَبة -إما إثر عوامل طبيعية أو خارجية- إلى ظهور سمات جديدة. ولا تعد هذه التغيرات "فوق جينية" إلا لو تم توريثها إلى أنسال الخلايا.
ولكي تتم هذه التغيرات فوق الجينية، فإنها بحاجة إلى مُحَفّزات بيولوجية تعرف بالإنزيمات، وهي مركبات بروتينية -في الغالب- تحفز التفاعلات الكيميائية داخل الخلية. فبعض التفاعلات لو تركت للحدوث بمعدلها الطبيعي داخل الخلية قد تحتاج إلى أسابيع أو شهور، وهو بالطبع ما لا يتفق مع الأزمنة البيولوجية للعمليات الخلوية التي تتطلب استجابات سريعة.
التعديلات فوق الجينية تغير من وظيفة الحمض النووي (ويكيبيديا- معاهد الصحة الوطنية الأميركية)
وتساعد الإنزيمات على أيض المواد داخل الخلية، وفي نسخ الحمض النووي، وعلى إتمام التعديلات فوق الجينية، وتفكيك بعض المركبات البيولوجية. فعلى سبيل المثال، أظهرت الدراسات السابقة أنه يمكن إضفاء بعض التعديلات الانتقائية على الحمض النووي أو الحمض النووي الريبوزي (RNA) أو البروتين، وذلك بإضافة مجموعة ميثيل لها، وهو ما يحفز من خلال الإنزيمات ناقلة الميثيل (Methyltransferases).
ويحفز الإنزيم ناقل الميثيل انتقال مجموعة الميثيل إلى مواقع مختلفة من الحمض النووي. فإضافة مجموعة الميثيل، إلى إحدى قواعد الموقع الذي تبدأ منه عملية نسخ الجينات بالحمض النووي، تؤدي في النهاية إلى تثبيط عملية النسخ، كما أن إزالة هذه المجموعة تسمح لعملية النسخ الجيني بأن تحدث.
وبالتالي، فإن التحكم في المواقع التي تستهدفها الإنزيمات ناقلة الميثيل، أو التحكم في الإنزيمات الناقلة ذاتها، سيساهم بالطبع في التحكم في وظيفة الحمض النووي تفعيلا وتثبيطا.
تحكم بالضوء
وهناك بعض المجموعات الكيميائية الفاعلة المعروفة باسم "المجموعات آسرة الضوء" (Photocaging groups) والتي يمكن إزالتها إذا عرضَت للضوء. ويمكن لهذه المجموعات أن تنقل إلى الحمض النووي من خلال سلسلة من التفاعلات الكيميائية التي تعتمد على عدد من الإنزيمات.
وقد استغل العلماء، بقيادة أندريا رينتميستر من معهد الكيمياء الحيوية بجامعة مونستر، قدرة هذه المجموعات للتحكم في وظيفة الحمض النووي.
وطبقا للبيان الصحفي الذي نشرته الجامعة تعقيبا على الدراسة، يذكر الدكتور نيلز كلوكر أحد قائدي الدراسة "بإمكاننا الآن نقل مجموعات وظيفية كبيرة، وإجراء تغييرات على الحمض النووي بالمثل كما فعلنا بالمجموعات آسرة الضوء آنفة الذكر".
التحكم في الحمض النووي يساعد على التحكم بوظائف الخلية (بيكسابي)
وباستخدام إستراتيجية هندسة البروتينات -وهي آلية منحت جائزة نوبل عام 2018 وتهدف إلى تطوير وتصميم بروتينات ذات خصائص مرجوة- صمم الباحثون أحد أنواع الإنزيمات الناقلة التي تحمل معها مجموعة آسرة للضوء. واستطاعت هذه الأنزيمات المصممة نقل المجموعات آسرة الضوء إلى مناطق مستهدفة من الحمض النووي، ومن ثم إمكانية تفعيل أو تثبيط وظائف الحمض النووي باستخدام الضوء.
وبالتالي، فإن هذه الإنزيمات الناقلة يمكنها حمل وإضافة المجموعة آسرة الضوء إلى مناطق مستهدفة من الحمض النووي حيث تضاف مجموعة الميثيل. إذ تحجب المجموعات آسرة الضوء تلك المناطق وتمنعها من قبول مجموعة الميثيل. كما أنه من السهل إزالة هذه المجموعات بتعريضها للضوء، مما يعني سهولة إضافة مجموعة الميثيل إلى الحمض النووي مرة أخرى.
وتستدرك رينتميستر "دمج هذه المجموعات مع إنزيمات أخرى قد يحمل العديد من التطبيقات المستقبلية، مما يعد خطوة مهمة لمعرفة الدور الذي تلعبه العديد من الإنزيمات الأخرى في التغيرات فوق الجينية".