أظهرت الدراسة الجديدة أن دورات النوم تتأرجح مع زيادة حجم القمر وصغره (يوتيوب-جامعة واشنطن)
قبل توافر الضوء الاصطناعي، كان ضوء القمر هو المصدر الوحيد لتحفيز النشاط الليلي، واعتقد الناس لقرون طويلة أن لهذا الجرم السماوي تأثيرا مباشرا على السلوك الإنساني، وكان الفيلسوف الإغريقي أرسطو يظن أن القمر يُسبب الإصابة بالجنون والصرع.
وفي العصر الحديث، حاول العلماء البحث عن وجود دليل علمي يثبت أن هناك تأثيرات مباشرة للقمر على سلوك البشر، ولكن كانت الأدلة على تعديل توقيت النوم حسب المراحل القمرية متباينة ومثيرة للجدل.
لكن بحسب دراسة علمية نشرت بدورية "ساينس أدفانسس" (Science Advances) يوم 7 يناير/كانون الثاني الجاري، أثبت الباحثون أن قدرتنا على النوم تتأثر بشكل واضح بالدورة القمرية، حتى عند أخذ المصادر الصناعية للضوء في الاعتبار.
في الأيام التي تسبق اكتمال القمر ينام الناس في وقت متأخر ولفترات زمنية أقصر (بيكسابي)
نفس النمط
هناك بعض الأدلة العلمية الحديثة التي تشير إلى أن القمر يؤثر على نمط النوم لدى البعض، بتباين أيام الدورة القمرية أو الطور القمري، وحسب مقدار الضوء الذي يتغير على مدار الشهر، حيث يصبح القمر بدرا كل 29.5 يوما ويظهر الهلال الجديد بعد 14.8 يوما من اكتماله.
وفي الدراسة الجديدة استخدم الباحثون أجهزة مراقبة المعصم، لقياس نشاط الرسغ، ولتتبع أنماط النوم لأفراد يعيشون في 3 مجتمعات مختلفة ومتنوعة، الأولى ريفية ليس لديها كهرباء، والثانية ريفية لديها كهرباء بصورة محدودة، في مجتمعات توبا/قم التي يعيش فيها أحد أكبر مجموعات السكان الأصليين بالأرجنتين، والثالثة بيئة حضرية لديها كهرباء متكاملة بالولايات المتحدة.
أظهر المشاركون في الدراسة في المجتمعات الثلاثة نفس نمط تذبذبات النوم مع تقدم القمر خلال دورة مدتها 29.5 يوما، مع تغيير مدة النوم بما يتراوح بين 20 وأكثر من 90 دقيقة، وتفاوت أوقات النوم من 30 إلى 80 دقيقة.
ووجد الباحثون أن جميع المشاركين في الدراسة تأخروا في النوم فترة من 3 إلى 5 أيام قبل اكتمال القمر، وحدث العكس في الليالي التي سبقت ظهور القمر الجديد.
بيانات مفاجئة
وأظهر تحليل البيانات أن النوم يبدأ في وقت متأخر، ويكون أقصر في الليالي التي تسبق اكتمال القمر عندما يكون ضوء القمر متاحا خلال الساعات التي تلي الغسق.
وتشير البيانات إلى أن ضوء القمر يحتمل أن يحفز النشاط الليلي ويثبط النوم في المجتمعات الريفية ما قبل الصناعية، وأظهرت النتائج أن "تأثير المرحلة القمرية" على النوم يبدو أقوى كلما كان الوصول إلى الكهرباء محدودا.
وقال هوراسيو دي لا إغليسيا مؤلف الدراسة أستاذ علم الأحياء بجامعة واشنطن (University of Washington)، في بيان صحفي للجامعة، إن البيانات كانت مفاجئة إلى حد ما، لأن التوقع الأولي كان قلة النوم وزيادة النشاط في ليالي اكتمال القمر. و"لكن اتضح أن الليالي التي تسبق اكتمال القمر هي الليالي التي يكون فيها معظم ضوء القمر خلال النصف الأول من الليل".
وقد قارن الباحثون نتائجهم ببيانات تم جمعها من 464 طالبا يدرسون بجامعة واشنطن، في مدينة سياتل بولاية واشنطن، فوجدوا نفس التذبذبات في أنماط النوم.
يشير نمط نومنا إلى أن إيقاعاتنا اليومية الطبيعية متزامنة بطريقة ما مع مراحل الدورة القمرية (يوتيوب-جامعة واشنطن)
التزامن مع مراحل القمر
كتب الباحثون في ورقتهم البحثية أن هذه النتائج "تشير بقوة إلى أن نوم الإنسان يتزامن مع مراحل القمر بغض النظر عن الخلفية العرقية والاجتماعية والثقافية ومستوى التحضر".
وأضاف دي لا إغليسيا "نحن البشر نميل إلى الاعتقاد بأننا تمكنا بطريقة ما من التحكم في الطبيعة، واستخدام الضوء الصناعي، هو مثال رائع على ذلك لكن اتضح أن هناك بعض قوى الطبيعة لا يمكننا صرف النظر عنها".
وفيما يتعلق بما يؤدي إلى هذه التأثيرات، يؤكد الباحثون أن النشاط الليلي الممتد الذي يحفزه ضوء القمر يمكن أن يكون تكيفا تطوريا تم ترحيله من عصر المجتمعات البشرية قبل الصناعية، مع القدرة على البقاء مستيقظا والقيام بالمزيد تحت البدر اللامع.
ووفقًا للمقابلات التي أجريت مع أفراد توبا/قم، لا تزال الليالي المقمرة معروفة بنشاط الصيد وصيد الأسماك، وزيادة الأحداث الاجتماعية، والعلاقات الجنسية المتزايدة بين الرجال والنساء.
ويقول المؤلف الأول لياندرو كاسيراجي عالم أحياء النوم بقسم الأحياء بجامعة واشنطن "في أوقات معينة من الشهر، يكون القمر مصدرا مهما للضوء في المساء، وكان من الممكن أن يكون ذلك واضحا لأسلافنا منذ آلاف السنين".