الشعاب المرجانية تساهم في حفظ بصمة كيميائية للمياه (بيكسابي)
أثبتت دراسة أجراها فريق دولي من الباحثين بقيادة الدكتور توربن ستروف من معهد الكيمياء الحيوية والبيولوجيا للبيئة البحرية بجامعة أولدنبورغ بألمانيا، أن توازن كتلة الماء في المحيط القطبي الجنوبي يتأثر بظروف الرياح في تلك المنطقة.
وقد أجرت الدراسة التي نشرت في الدورية العلمية التابعة لـ"ناشيونال أكاديمي أوف ساينسز" في الولايات المتحدة يوم 30 ديسمبر/كانون الأول 2019، قياساتٍ على الهياكل المرجانية الأحفورية بهدف رصد تغييرات دورة المياه العميقة في ممر دريك ما بين القارة القطبية الجنوبية وأميركا الجنوبية.
وقد قدم العلماء أدلة تشير إلى حدوث تغييرات كبيرة خلال 6000 إلى 7000 سنة مضت، أثرت بدورها على ازدياد مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. وحذر الباحثون من أن تغير المناخ في المستقبل قد يؤدي إلى زيادة إطلاق ثاني أكسيد الكربون من المياه العميقة في المحيط الجنوبي إلى الغلاف الجوي.


المحيط القطبي الجنوبي وتياراته

يتميز المحيط الجنوبي بأنه صلة وصل ما بين المحيط الهادي والمحيط الأطلسي والمحيط الهندي.
وتعتبر مياهه ضحلة نسبيا حيث يتراوح عمقه ما بين 4000 و5000 متر، مما يجعل حركة التيارات المائية الشاقولية، أي العمودية، فعالة وسريعة، حيث تصعد المياه العميقة إلى السطح في الوقت الذي تغوص فيه المياه السطحية إلى الأعماق.
الأمر الذي يضفي على المحيط أهمية خاصة في توزيع الحرارة والمغذيات والملح وثاني أكسيد الكربون على مسافات كبيرة محمولة بالتيارات البحرية سواء الأفقية منها والشاقولية.
لم يحدد الوسط العلمي سابقا ما إذا كان التيار المتدفق في المحيط الجنوبي قد تغير منذ آخر عصر جليدي، والذي انتهى منذ حوالي 12000 عام.
وقد أظهرت دراسات سابقة أجراها باحثون في مجال المناخ حدوث تحولات في الرياح الغربية القوية التي تهب حول القارة القطبية الجنوبية خلال الفترة الجليدية الحالية.
وتحفز هذه الرياح تيار القطب الجنوبي الذي يمتد من السطح إلى قاع المحيط، والذي يربط المحيط الجنوبي مع المحيطات الحدودية له. كما أنها تحفز أيضا مياه المحيطات العميقة للصعود إلى سطح المحيط. ولذا فقد اهتم الباحثون بدراسة كيفية تفاعل تيارات المحيط الجنوبي مع هذه التغيرات في الغلاف الجوي.



حدث تغير مفاجئ في التركيب الكيميائي للمياه في ممر دريك قبل 7 آلاف عام‬ (ويكيميديا كومونز)


الشعاب المرجانية والعناصر النزرة

تخزن الشعاب المرجانية في المياه الباردة بعض العناصر النزرة، مثل النيوديميوم، في هياكلها العظمية الجيرية، وبالتالي فإنها تساهم في حفظ بصمة كيميائية للمياه التي نمت فيها.
ولذا قام ستروف وزملاؤه -من جامعة إمبريال كوليدج في لندن وكلية لندن الجامعية وجامعة إدنبره- بجمع عينات من الشعاب المرجانية الأحفورية من أعماق مختلفة من المياه الباردة في ثلاثة مواقع في ممر دريك، وذلك خلال بعثتين استكشافيتين مع سفينة الأبحاث الأميركية "ناثانيل ب. بالمر"، ومن ثم حللوها.
وقد أظهرت نتائج التحاليل حدوث تغير مفاجئ في التركيب الكيميائي للمياه منذ حوالي 7000 عام، كما أنه استمر لمدة تقدر بحوالي 1000 عام.
وبهذا خلص الفريق إلى أن كميات متزايدة من المياه العميقة الغنية بغاز ثاني أكسيد الكربون من المحيط الهادي قد اخترقت ممر دريك في ذلك الوقت، والتي يفترض أنها محمولة باتجاه الشمال من الرياح الغربية في نصف الكرة الجنوبي.




معدلات ثاني أكسيد الكربون

تسلط هذه الدراسة الضوء على الدور الهام للأحافير المرجانية المحفوظة في المياه الباردة في فهم تغير المناخ في الماضي.
كما أنها تعرض سلسلة من التغيرات المناخية أهمها ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي من جديد، وذلك بعد أن انخفضت قليلا في الألفي عام الماضية. ويرجح الباحثون أن السبب وراء هذه الظاهرة يعزى إلى زيادة كمية ثاني أكسيد الكربون في المياه العميقة في المحيط الهادي في المناطق الحدودية مع المحيط الجنوبي.
ولم يتضح بعد كيف ستؤثر درجات الحرارة العالمية المرتفعة على التيارات المحيطية التي تحيط بالقارة القطبية الجنوبية، حيث تشير سيناريوهات المناخ الحالية إلى أن الرياح الغربية في نصف الكرة الجنوبي ستتجه جنوبا نحو القارة القطبية الجنوبية.
ويمكن أن يؤدي هذا السيناريو إلى خلط أكبر للتجمعات المائية الكبرى في المحيط الجنوبي وازدياد ارتفاع منسوب المياه، وهو ما يشتبه فريق الباحثين في أنه يمكن أن يؤدي بدوره إلى إطلاق كميات كبرى من ثاني أكسيد الكربون من أعماق المحيط.