الحمض النووي البيئي يوفر طريقة آمنة وأكثر دقة لصيد الأسماك (الأوروبية)
منذ ستينيات القرن الماضي، انتشرت تقنية الكشف عن الأسماك واصطيادها بواسطة طريقة تعرف بالصعق الكهربائي أو الاصطياد الكهربائي (Electrofishing)، وهي تستخدم في مسح توزيع الأسماك في البحار والأنهار ومن ثم اصطيادها.
وتعتمد هذه التقنية على إحداث صدمة كهربائية شديدة للأسماك، فتتحرك بصورة عشوائية حتى تقع في الشباك أو تصاب بسكتة حركية فتطفو على سطح الماء. ونظرا للأخطار البيئية للاصطياد بواسطة تقنية الصعق الكهربائي، فقد منعت كثير من البلدان استخدامها في البحث عن الأحياء المائية واصطيادها.
ولكن مؤخرا، صدرت دراسة علمية تتضمن تطوير طريقة صديقة للبيئة والأحياء البحرية والمائية، قام بها باحثون من جامعة ولاية أوريغون، ونشرتها مجلة الجمعية البيئية الأميركية (The Ecological Society of America (ESA)) في عددها الصادر يوم 20 يناير/كانون الثاني الجاري.
وتعتمد الفكرة على الاصطياد باستخدام الحمض النووي البيئي، حيث وجد الفريق البحثي أن استخدام الحمض النووي البيئي لأنواع معينة من الأسماك التي يتم تجميعها من مياه البحر، يمكن أن يكون أكثر دقة وأمنا من الصيد باستخدام الصعق الكهربائي.
يؤثر الصيد بالصعق الكهربائي سلبا على الأسماك التي تسبح في مكان قريب (الفرنسية)
الرصد الكمي والنوعي
الحمض النووي البيئي (Environmental DNA (eDNA)) هو الحمض النووي الذي يتركه الكائن الحي وراءه أثناء تحركه في البيئة بشكل عام، وهو الذي يتم تجميعه من مجموعة متنوعة من العينات البيئية مثل التربة أو مياه البحر أو الجليد أو حتى الهواء، بدلا من أخذ عينات مباشرة من كائن فردي.
ويتم الحصول على الحمض النووي في البيئة المحيطة بالكائن من خلال تفاعل الكائنات الحية المختلفة مع البيئة، ليتم طرد الحمض النووي فيتراكم في المناطق المحيطة بها.
وتتبع هذه الطريقة في مياه البحار والأنهار عن طريق أخذ عينة صغيرة من المياه، ومن خلال تحليل الحمض النووي البيئي يمكن تحديد وجود أنواع الكائنات الحية ووفرتها، من خلال بقايا الجلد المنفصل أو السوائل الجسدية أو الفضلات التي تتركها الكائنات كالأسماك والحشرات والأحياء الأخرى وراءها. وبذلك يتمكن الصيادون من معرفة وجود الأسماك حتى مسافة كيلومتر واحد من سطح الماء، ومن المكان الذي تم فيه التقاط عينة المياه.
كما يكشف تحليل الحمض النووي البيئي عن الحيوانات أو الكائنات الحية المهددة بالانقراض، ويحدد الأنواع غير الأصلية في المنطقة، وهي الأنواع التي يمكن أن تسبب ضررا للنظام البيئي.
أجرى الباحثون دراستهم على أسماك السلمون المرقط المتوافر في أنهار ولايتي أوريغون وواشنطن (جامعة ولاية أوريغون)
الطريقة الفضلى
ووفقا للبيان الصحفي الصادر عن جامعة ولاية أوريغون، فقد تم استخدام وتحليل عينات الحمض النووي البيئي لأكثر من عقد من الزمن، ولكنه لم يتم استخدامه على نطاق واسع حتى الآن في الصناعة أو إدارة الموارد المائية أو الاصطياد، حيث اقتصر استخدامه على جمع عينات المياه في المواقع وإجراء الاختبارات المعملية للتحقق من وجود الحمض النووي لأنواع معينة من الأسماك، والذي تطلقه الأسماك بانتظام من خلال إفرازاتها والتغيرات في جلدها أو مخاطها.
لكن الدراسة البحثية التطبيقية لفريق الجامعة، كشفت عن أفضلية استخدام الحمض النووي على استخدام الصعق الكهربائي في معرفة كمية ونوعية الأحياء المائية واصطيادها، وذلك بعد إجراء دراسة مقارنة بين المسح بواسطة الحمض النووي والصعق الكهربائي، حيث قام الفريق العلمي للجامعة باختبار فعالية الحمض النووي البيئي في العثور على نقطة (آخر سمكة) في الماء، وهي أبعد الأسماك الموجودة في المنبع.
ووفقا للبيان، فقد قام الباحثون بالبحث عن سمك السلمون المرقط الساحلي حيث إنه الأكثر شيوعا، وهو الأعلى في مجاري الأنهار على الجانب الغربي من شمال غرب المحيط الهادئ.
ولإجراء هذا الاختبار العملي، قام الباحثون باختيار 60 مجرى ساحليا في ولايتي أوريغون وواشنطن، وقاموا بأخذ عينات من الحمض النووي الريبي من أعلى منبع النهر، ثم استخدموا أسلوب الصيد بالكهرباء كل 50 مترا حتى 250 مترا أعلى منبع آخر نقطة (سمكة أخيرة) مسجلة لكل تيار.
الحمض النووي البيئي يتركه الكائن الحي وراءه أثناء تحركه في البيئة (الفرنسية)
أسماك أكثر وطريقة أكثر أمنا
وبعد هذا الاختبار، وجد الباحثون أنه في التدفقات التي لم يكتشف فيها الصيد الكهربائي سمك السلمون المرقط، أظهرت عينات الحمض النووي البيئي دليلا على وجودها بنسبة 40%.
ويضيف بيان الجامعة أن الحمض النووي الريبي كشف عن وجود أسماك أعلى منبع النهر في 31 مجرى، مقارنة بالصيد الكهربائي. ووفقا للدراسة، فإن اكتشاف أفضلية استخدام الحمض النووي البيئي يعد اكتشاف أقل إزعاجا للأسماك وإضرار بها من الصيد الكهربائي.
وفي هذا الصدد، تقول بروك بينالونا الباحثة في قسم المصايد والحياة البرية في جامعة ولاية أوهايو إن استخدام الحمض النووي البيئي سيحدث ثورة في طرق وأساليب صيد الأسماك، وتضيف "من خلال أخذ عينة من مياه البحر مثلا وباستخدام الأدوات الجينية أو الوراثية، فإنه يمكن أن نحدد نوعية الأسماك الموجودة في تلك المنطقة المائية، وأيضا يمكن إجراء مسح شامل للأسماك في تلك المنطقة".