روح في غيمة
يناير31, 2021
( ثقافات )
* ظبية خميس
السحب بيضاء
هادئة هذه الظهيرة.
كانت مثقلة بالغيوم لأيام.
الهدوء رقيق
البحر على مرمى قدم
المطاعم و المقاهي
و الفنادق.
و المستشفى.
تنام على سريرها
في غرفة المستشفى
الأنابيب مربوطة بجسدها
خرطوم التنفس و جهازه
أنبوب الغذاء
أنبوب الواء
أنبوب التخلص من السوائل.
ترقد تحت التخدير
لإسبوعين و هي مخدرة
و لا تزال.
لا تفتح عينيها
لا يسمح لها ببلع ريقها
الأجهزة تراقبها
و الأرقام تخبرنا عن حالها.
كأنها سحابة
بين الحياة و الموت.
لا شيء ينبيء عن إنسانها
كانت هناك دموع في الأسبوع الأول,
و لم تعد.
لعلها جفت هي,أيضا.
نذهب و نعود
نراقبها
ننظر إليها
نتفقد جسدها
نسأل الممرضات و الأطباء.
نذهب و نعود
في الصباح و المساء.
يمر ليسأل عنها بعض الأصدقاء
و الأقباء.
بعضهم تبتل عيونه بالدموع
و البعض تأخذه الرجفة
و البعض يجلس و يقرأ لها
و يدعو الله
و يراقب
ثم يمضي.
بيتها هناك,حزين.
بحديقتها و ورودها التي زرعتها
قبيل توقف أنفاسها.
قبيل توقف القلب الذي أسعفوه.
قططها في البيت تروح و تجيء
تموء بحثا عن لمسة اليد الحانية.
خادمتها تمضي في تنظيف البيت
و إطعام القطط
وإخراج طعام لقطط الحديقة,
أيضا.
سائقها يذهب و يجيء
يؤدي عمله.
زوجها يذهب و يجيء
بقلق لا يتوقف.
و أنا أرقبها
و أرتب حياة كاملة مرت.
أجلس في غرفتي في بيتها
أمنح القطط بعض الحنان
أقلب كتبي
و الإنترنت.
أشعر بثقل همي
و حزني عليها.
في المستشفى أنظر إلى وجهها
و بقع الدم الداكنة
في جسدها.
أرقب أنفاسها,
إأتفقدها.
جسدها هنا, و هي ليست هنا.
إأفكر في حياة أختي
أعود بذاكرتي للطفولة
لصباها
لحيرتها و عذاباتها و أحلامها.
طيبة.
الكل يقول أنها طيبة.
متى فقدت أختي الرغبة في حياتها
و هي التي أضناها الذهاب
إلى الأطباء,
لعشرة أعوام كاملة.
و القلب ذلك المنكسر
و الذي حاولت علاجه
لماذا يخذلها في الحلم و الحقيقة.
تركت نفسها للمرض
كأنها هجرت جسدها
و هي فيه,
هجرت أحلامها,
هجرت نفسها.
الدخان و الطعام و القطط
ملاذها الذي لم تتخلى عنه.
رغم تحذير الأطباء
و عملية القلب
و تعب الرئة
و إنقطاع النفس
أصرت على الدخان
حتى و هي في فراش المرض.
لم تكن سعيدة
لم تكن تعيسة أيضا .
الإكتئاب الذي يذهب
و يعود.
الحزن الذي يذهب
و يعود.
شعور الوحدة القاسي
الذي رافقها,دائما.
شيء ما لم يملأ تلك الوحدة
لا الزواج
و لا الأهل
و لا الصديقات
و لا الحديقة
و لا القطط
و لا المستشفيات.
وحدة خاصة بها.
جدار تعزل به ما بداخلها
عميقا في بئر وحدتها.
أشرب القهوة
أجلس تحت السماء
و الغيوم البضاء و الشمس
في الهواء الطلق.
أفكر بها
في حياتها
في مرضها
في كل ذلك الفقد
الذي لم تجد له بديلا
حتى في ذاتها.
أحبك أختي.
* شاعرة من الإمارات