تفسير آية : ﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ .
﴿فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ﴾ .
عَنْ الْإِمَامِ الْعَسْكَرِيِّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ :
وَأَمَّا اسْتِهْزَاؤُهُ بِهِمْ فِي الْآخِرَةِ ، فَهُوَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَقَرَّ الْمُنَافِقِينَ الْمُعَانِدِينَ لِعَلِيٍّ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) فِي دَارِ اللَّعْنَةِ وَالْهَوَانِ وَعَذَّبَهُمْ بِتِلْكَ الْأَلْوَانِ الْعَجِيبَةِ مِنَ الْعَذَابِ ، وَأَقَرَّ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ كَانَ الْمُنَافِقُونَ يَسْتَهْزِءُونَ بِهِمْ فِي الدُّنْيَا فِي الْجِنَانِ بِحَضْرَةِ مُحَمَّدٍ (صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) صَفِيِّ الْمَلِكِ الدَّيَّانِ ، أَطْلَعَهُمْ عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُسْتَهْزِءِينَ بِهِمْ فِي الدُّنْيَا حَتَّى يَرَوْا مَا هُمْ فِيهِ مِنْ عَجَائِبِ اللَّعَائِنِ وَبَدَائِعِ النَّقِمَاتِ فَيَكُونُ لَذَّتُهُمْ وَسُرُورُهُمْ بِشَمَاتَتِهِمْ بِهِمْ . كَمَا كَانَ لَذَّتُهُمْ وَسُرُورُهُمْ بِنَعِيمِهِمْ فِي جِنَانِ رَبِّهِمْ فَالْمُؤْمِنُونَ يَعْرِفُونَ أُولَئِكَ الْكَافِرِينَ بِأَسْمَائِهِمْ وَصِفَاتِهِمْ ، وَهُمْ عَلَى أَصْنَافٍ : مِنْهُمْ مَنْ هُوَ بَيْنَ أَنْيَابِ أَفَاعِيهَا تَمْضَغُهُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ بَيْنَ مَخَالِيبِ سِبَاعِهَا تَعْبَثُ بِهِ وَتَفْتَرِسُهُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ تَحْتَ سِيَاطِ زَبَانِيَتِهَا وَأَعْمِدَتِهَا وَمِرْزَبَاتِهَا يَقَعُ مِنْ أَيْدِيهِمْ عَلَيْهِ تُشَدِّدُ فِي عَذَابِهِ وَتُعَظِّمُ خِزْيَهُ وَنَكَالَهُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ فِي بِحَارِ حَمِيمِهَا يَغْرَقُ وَيُسْحَبُ فِيهَا ، وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ فِي غِسْلِينِهَا وَغَسَّاقِهَا تَزْجُرُهُ زَبَانِيَتُهَا ، وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ فِي سَائِرِ أَصْنَافِ عَذَابِهَا .
وَالْكَافِرُونَ وَالْمُنَافِقُونَ يَنْظُرُونَ فَيَرَوْنَ هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ كَانُوا بِهِمْ فِي الدُّنْيَا يَسْخَرُونَ لِمَا كَانُوا مِنْ مُوَالاةِ مُحَمَّدٍ وَعَلِيٍّ وَآلِهِمَا يَعْتَقِدُونَ . فَيَرَوْنَهُمْ مِنْهُمْ مَنْ هُوَ عَلَى فُرُشِهَا يَتَقَلَّبُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ عَلَى فَوَاكِهِهَا يَرْتَعُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ عَلَى غُرُفَاتِهَا أَوْ فِي بَسَاتِينِهَا وَتَنَزُّهَاتِهَا يَتَبَحْبَحُ ، وَالْحُورُ الْعِينُ وَالْوُصَفَاءُ وَالْوِلْدَانُ وَالْجَوَارِي وَالْغِلْمَانُ قَائِمُونَ بِحَضْرَتِهِمْ وَطَائِفُونَ بِالْخِدْمَةِ حَوَالَيْهِمْ ، وَمَلَائِكَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَأْتُونَهُمْ مِنْ عِنْدَ رَبِّهِمْ بِالْحِبَاءِ وَالْكَرَامَاتِ وَعَجَائِبِ التُّحَفِ وَالْهَدَايَا وَالْمَبَرَّاتِ يَقُولُونَ : ﴿سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾ .
فَيَقُولُ هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنُونَ الْمُشْرِفُونَ عَلَى هَؤُلَاءِ الْكَافِرِينَ الْمُنَافِقِينَ : يَا أَبَا فُلَانٍ وَيَا فُلَانُ - حَتَّى يُنَادُونَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ - مَا بَالُكُمْ فِي مَوَاقِفِ خِزْيِكُمْ مَاكِثُونَ ؟ هَلُمُّوا إِلَيْنَا نَفْتَحْ لَكُمْ أَبْوَابَ الْجِنَانِ لِتَتَخَلَّصُوا مِنْ عَذَابِكُمْ وَتَلْحَقُوا بِنَا فِي نَعِيمِهَا ! فَيَقُولُونَ : يَا وَيْلَنَا أَنَّى لَنَا هَذَا ! يَقُولُ الْمُؤْمِنُونَ [لَهُمْ] : انْظُرُوا إِلَى هَذِهِ الْأَبْوَابِ . فَيَنْظُرُونَ إِلَى أَبْوَابِ الْجِنَانِ مُفَتَّحَةً يُخَيَّلُ إِلَيْهِمْ أَنَّهَا إِلَى جَهَنَّمَ الَّتِي فِيهَا يُعَذَّبُونَ وَيُقَدِّرُونَ أَنَّهُمْ مُمَكَّنُونَ أَنْ يَتَخَلَّصُوا إِلَيْهَا ، فَيَأْخُذُونَ فِي السِّبَاحَةِ فِي بِحَارِ حَمِيمِهَا وَعَدْواً بَيْنَ أَيْدِي زَبَانِيَتِهَا وَهُمْ يَلْحَقُونَهُمْ وَيَضْرِبُونَهُمْ بِأَعْمِدَتِهِمْ وَمِرْزَبَاتِهِمْ وَسِيَاطِهِمْ فَلَا يَزَالُونَ هَكَذَا يَسِيرُونَ هُنَاكَ وَهَذِهِ الْأَصْنَافُ مِنَ الْعَذَابِ تَمَسُّهُمْ ، حَتَّى إِذَا قَدَّرُوا أَنَّهُمْ قَدْ بَلَغُوا تِلْكَ الْأَبْوَابَ وَجَدُوهَا مَرْدُومَةً عَنْهُمْ وَتُدَهْدِهُهُمُ الزَّبَانِيَةُ بِأَعْمِدَتِهَا فَتَنْكُسُهُمْ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ ، وَيَسْتَلْقِي أُولَئِكَ الْمُؤْمِنُونَ عَلَى فُرُشِهِمْ فِي مَجَالِسِهِمْ يَضْحَكُونَ مِنْهُمْ مُسْتَهْزِءِينَ بِهِمْ فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَ : ﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ . وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَ : ﴿فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ﴾ .
المصدر : (البحار : ج8، ص298، عن تفسير العسكري (ع).)