مناضل جاسم
*مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث
تشكل الدساتير أهمية متعاظمة في حياة الشعوب وذلك لطبيعة المهام التي تنظمها، إذ إنها تحدد المفاصل المهمة في الدولة، وتحديد صلاحيات كل سلطة من السلطات الثلاث. لذا كان من الضروري احترام هذه الدساتير وعدم الخروج عليها،وإلا لم تكن لها أية فائدة مرجوة. فغالبا ما كانت الحكومات الدكتاتورية تخرج عن تطبيق هذه الأحكام وتنفرد في السلطة. وفي الوقت الذي يكتب فيه الدستور العراقي الجديد فأن هناك تخوف واضح عند الكثير من أبناء الشعب وخصوصا الطبقة المثقفة والأكاديمية من عدم الأخذ بمبادئ الدستور والتطاول عليه، إذ أن المراحل السابقة لم تخل من وجود الدستور وإنما خلت من تطبيقه. لذا كان من المهم أن نركز على الضمانات التي تحفظ للدستور هيبته ومكانته المرجوة. مما يولد حالة من الاطمئنان عند الشعب باستقرار الدستور واحترامه وبالتالي احترام حقوقهم المشروعة. وهنا نورد جملة تطبيقات للرقابة الدستورية في مجموعة من الدساتير وهذه ما تسمى بالضمانات الدستورية. تقسم الرقابة الدستورية إلى قسمين هما: أولا-الرقابة السياسية. ثانيا- الرقابة القانونية. أما شكل الرقابة الدستورية فينقسم إلى الأشكال التالية: 1-الرقابة الدستورية بواسطة الرأي العام: أي أن يكون للشعب الكلمة الفصل في هذا الموضوع، بل ويمتد رأي الشعب إلى مقاومة الاضطهاد وإضفاء صفة المشروعية على هذه المقاومة، وهذا ما نصت اليه المادة 35 من الدستور الفرنسي لسنة 1793م. 2-الرقابة الدستورية القضائية: وهو تحديد هيئة قضائية للحسم في النزاعات القائمة حول دستورية قانون أو قرار ما. وهذا ما نصت عليه اغلب الدساتير، وقد تتخذ الرقابة القضائية شكلين من أشكال القضاء: أولا-شكل القضاء العادي: أي يجوز للمحاكم العادية النظر بدستورية القوانين بناءا على دعوى ترفع إليها. ثانيا-شكل القضاء المختص: لا يجوز النظر بدستورية القوانين إلا من قبل محاكم مختصة. وطرق الرقابة القضائية هي: أ-طريقة الدعوى الأصلية: وتعني إعطاء المواطن الحق بتقديم طلبا للمحكمة المختصة حول دستورية قانون ما أو عدم دستوريته دون أن تكون له مصلحة مباشرة بالقانون. ب-طريقة الدفع: وهي التي تحدد صلاحية المواطن في تقديم الطلب أن يكون هذا القانون له مصلحة مباشرة به. وهنا يتطلب وجود دعوى أصلا. فيكون القرار أما بالنهي عن التطبيق أو الأمر بالتطبيق، مع عدم إلغاء هذا القانون. وقد اختلفت تطبيقات هذا الشكل من دولة إلى أخرى. فقد اتفقت الدساتير على وجود محكمة مختصة، واختلفت في الجهة أو الأشخاص الذين يحق لهم تقديم الطعون والجهة التي يجوز الطعن بقراراتها. فمثلا في سويسرا نص الدستور السويسري على أحقية المواطن بتقديم طلب إلى المحكمة المختصة للنظر بدستورية قانون ما يصدر من المجلس التشريعي المحلي دون القرارات الصادرة من المجلس الاتحادي. في فرنسا ومع وجود محكمة دستورية فأن الحق لبعض المسؤولين فقط تقديم طلب إلى المحكمة المختصة للنظر بدستورية القوانين. منهم(رئيس الجمهورية، الوزير الأول، النواب فقط). 3- الرقابة السياسية: وتعد النوع الثالث من أنواع الرقابة الدستورية وتعني مراقبة دستورية القوانين من قبل ممثلي الأمة. رغم إن البعض يرى الجمع بين الرقابة السياسية والرقابة القضائية، حيث إن الرقابة الدستورية سياسية في أثرها فهي قانونية في موضوعها. ثم أن هناك طريقتين للمراقبة أيضا هما: 1-مراقبة الاتحاد. 2-مراقبة اختصاصات المشرع واتجاهاته. إلا أن بعض الدساتير ذهبت إلى إبعاد القضاء في المسائل الدستورية، كما هو واضح في المادة113 من الدستور السويسري التي تنص على إن(( المحكمة الاتحادية تطبق القوانين التي أقرتها الجمعية الاتحادية والقرارات ذات الأهمية الكبرى)) وتسميها حكومة القضاة. ومن الملاحظ من الحالات السابقة نجد إن هناك رغبة عند كل الدول إلى احترام الدساتير وحمايتها. وهذا ما يتوافق مع مبدأ سمو الدستور من حيث إن الدستور ينظم صلاحيات السلطات، لذا يتوجب على هذه السلطات عدم تجاوزه، وإلا فقدت هذه السلطات الصفة القانونية لها. وللخروقات الدستورية أشكال عدة أوسعها معنى، التجاوز على الحقوق والحريات العامة. وكردة فعل على ذلك فقد ذهبت اغلب الدساتير إلى تحديد مجالات خاصة للمواطن لا يمكن للدولة التدخل فيها، الهدف منها ضمان حق المواطن ضمن مواد دستورية تختلف من بلد إلى آخر، كما وأن اغلب الدساتير الحديثة نص على الالتزام بمبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومبادئ الأمم المتحدة. وذهبت دساتير أخرى إلى تبيان هذه الحقوق تفصيلا. ونذكر هنا بعض الحقوق والحريات الممنوحة في بعض الدساتير : 1-الدستور الإسلامي. كان أشبه بالتحرر التام من كل القيود وطفرة نوعية في الحريات الممنوحة. فقد أعطى فرصة كبيرة لاستغلال الثروات الطبيعية(الأرض لمن أحياها) بشرط عدم الإضرار بالآخرين، ثم نص على طريقة انتقال السلطة بالشورى. وحرية اختيار نوع العمل... وبذا فقد سبق غيره من الدساتير في منح الحقوق والحريات العامة.وكان الدستور الأكثر ثباتا وصلاحية. 2- الدساتير الغربية. فقد كان أهمها الدستور الأمريكي لسنة 1791م وكذلك الدستور الفرنسي لسنة 1793م، وقد استمر حتى نهاية الحرب العالمية الأولى. إذ بدأ التركيز على تدخل الدولة لضمان الاستقلال الاجتماعي. وهذا بدوره أدى إلى شرعنة تدخل الدولة في المجالات التي يتطلبه عملها. أخيرا وبعد هذا الاستعراض الموجز لأهمية الدستور وطبيعة الصلاحيات التي يحددها وطرق الرقابة عليه والحقوق والحريات الممنوحة فيه فمن الأهمية بمكان التأكيد على النقاط التالية في الدستور العراقي: أولا- الاستفادة من التجارب السابقة في اختيار الجهة المختصة بكتابة وتعديل الدستور وتحديد الصلاحيات الممنوحة لها . ثانيا- تشكيل هيئة قضائية مستقلة هدفها النظر بدستورية القوانين المشرعة. وتحديد الجهة المسؤولة عن مسائلتها عند الإخلال بواجبها. ثالثا- تشكيل هيئة قضائية أخرى تابعة إلى الفقرة الثانية هدفها مراقبة تنفيذ مبادئ الدستور وتحقيق الديمقراطية. رابعا- الاستقلالية السياسية للجهة المختصة بكتابة وتعديل الدستور. خامسا- اختيار أعضاء الهيئتين القضائيتين، أو استبدال أعضائها مناط بالجمعية الوطنية المنتخبة من قبل الشعب فقط. سادسا- التأكيد على مبدأ الفصل بين السلطات. سابعا-توزيع المهام بين السلطات الثلاث بصورة متوازنة، مع إعطاء البرلمان صلاحيات اكبر على اعتبار أن الشعب هو صاحب السلطة الحقيقية. ثامنا- تحديد صلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، على حساب إعطاء صلاحيات اكبر للجمعية الوطنية المنتخبة، إلى حد لا يجعلها خاملة وغير فعالة. تاسعا-التأكيد على الرجوع إلى رأي الشعب في الأمور الخلافية والمصيرية. عاشرا-التأكيد على حرية الصحافة على اعتبار أنها السلطة الرابعة. حادي عشر-أن يتمتع القاضي المنتخب بالنزاهة وعدم انتمائه إلى حزب البعث المنحل.
ثاني عشر-أن ينص الدستور على الأصول المتبعة في تعديل هذا الدستور، والأصول المتبعة في إصدار دستور جديد، مع ذكر السلطة المختصة بذلك. تحديد الجهة المفسرة لمواد الدستور في حالة وجود خلاف حول تفسيره، ومن الأفضل أن تكتب فقراته ومواده بشفافية واضحة لا تقبل التأويل.
بالإضافة إلى فقرات أخرى قد تؤدي إلى طمأنة الشعب واستقرار الدولة.