المخرج ألفريد هيتشكوك المُصنف ضمن أعظم المخرجين السينمائيين في القرن الماضي (غيتي)
في مراهقته، حُبس في سجن قسم الشرطة لتأديبه، بأمر من أبيه الصارم. وهو ما سبب له خوفا مرضيا من الأماكن المغلقة وقلقا من السجن، وظهر أثره في أفلامه التي جعلته "سيد التشويق"، و"ملك أفلام الرعب".
إنه المخرج الأميركي البريطاني الأصل ألفريد هيتشكوك (1899-1980)، المُصنف ضمن أعظم المخرجين السينمائيين في القرن الماضي. والفنان الفيلسوف الذي صدر عنه كتاب عام 2005، بعنوان "هيتشكوك كفيلسوف" للمؤلف الأميركي روبرت جيه يانال. حيث تميزت أعماله بالغوص في أعماق النفس البشرية، بمزيج مذهل من الإثارة والفكاهة.
كما عُرف هيتشكوك بتركيزه على 3 شخصيات أساسية، هي: الرجل البريء المتهم بارتكاب جريمة عن طريق الخطأ، وعليه تعقب الجاني الحقيقي من أجل تبرئة نفسه، وفيلم "أقصى الشمال الغربي" North by Northwest- 1959 مثالا. والمرأة المذنبة التي تشتبك مع بطل الرواية، وينتهي بها الأمر إما بتدميره أو إنقاذه، وفيلم "فيرتيغو" Vertigo- 1958 مثالا. والقاتل المضطرب نفسيا، والذي يتم اكتشافه خلال الأحداث، وفيلم "سايكو" Psycho 1960، مثالا أيضا.
وصمة عار
أخرج سير هيتشكوك أكثر من 50 فيلما في حياته المهنية التي امتدت 6 عقود، ووصفته مجلة "موفي ميكر" (MovieMaker) بأنه "المخرج الأكثر تأثيرا على الإطلاق". فرغم مرور أكثر من 40 عاما على وفاته، لا يزال يُنظر إليه باعتباره مخرجا استثنائيا قد لا يتكرر في تاريخ السينما، ولا تزال كتبه تنشر بلغات مختلفة حول العالم.
ومن بين الجوائز التي حصل عليها جائزة أكاديمية الفنون والعلوم السينمائية (1968)، وجائزة المعهد الأميركي للأفلام (1979)، كما حصل على لقب فارس عام 1980.
لكن ما يثير الدهشة أنه لم يفز سوى 5 من أفلامه بجوائز أوسكار مختلفة، منها واحد فقط فاز بجائزة أوسكار أفضل فيلم، هو "ريبيكا" Rebecca 1940.
أما هيتشكوك فقد رُشح 5 مرات لجائزة أوسكار أفضل مخرج دون أن يحالفه الحظ في أي منها، حتى بدا الأمر وكأنه قد تم تجاهله. ربما لأنه كان سابقا لعصره من الناحية الفنية، أو لأنه بدا غامضا جدا في محتوى قصصه.
واعتبر غرايم روس المحرر الفني لصحيفة إندبندنت البريطانية، أن "حرمان هيتشكوك من الفوز بجائزة أوسكار، لا يزال يشكل وصمة عار في تاريخها". دون أن يقلل منحه جائزة أوسكار الفخرية عام 1968، من ذلك.
4 من أهم أفلامه
"النافذة الخلفية"
"النافذة الخلفية" (Rear Window)، فيلم أخرجه هيتشكوك عام 1954، وتقاسمت غريس كيلي بطولته مع جيمس ستيوارت، ورُشح لـ 4 جوائز أوسكار. وهو أيضا مقطوعة منقطعة النظير من صناعة الأفلام المشوقة الخالصة التي كشف فيها هيتشكوك عن فائدة من الانغماس في ميولنا المتلصصة تمثلت في اكتشاف جريمة قتل.
وبالطبع يأتي مشهد القتل بمثابة تحفة من الإيحاءات غير المباشرة، حيث حدثت جريمة القتل بعيدا عن الأنظار، خلف ستائر مُسدلة، ودون أن نسمع صراخا أو نرى قطرة دم. والمطر يتساقط، والقاتل يتنقل داخل وخارج الشقة حاملا حقيبة لتوزيع أجزاء الجثة. وتلك هي عبقرية مدرسة هيتشكوك في مشاهد القتل، التي دفعت الناقد كيم نيومان للقول "لو كان تصنيف أعلى من 5 نجوم، فهذا أحد الأفلام القليلة جدا التي تستحقه".
"فيرتيغو"
يواصل هيتشكوك مع جيمس ستيوارت ولكن بمشاركة النجمة كيم نوفاك، في هذا الفيلم المثير الذي تقشعر له الأبدان، الذي أخرجه عام 1958، ورُشح لجائزتي أوسكار.
ووصف الناقد السينمائي بيتر برادشو الفيلم بأنه "قصة الحب الحزينة بشكل لا يطاق، والمروعة بشكل رائع". تحفة هيتشكوك الأكثر إزعاجا، التي جمعت بين ذوقه في مواجهة الصدمات النفسية، وبين العبقرية الأنيقة. وهو يأخذ مشاعر إنسانية عامة، مثل الخوف والذنب والشهوة، ويضعها في شخصيات عادية، ويطورها في الصور أكثر من الكلمات. ليقدم واحدا من أفضل الأفلام الأميركية، إن لم يكن الأفضل من أي وقت مضى.
حيث ظهرت نوفاك أكثر سحرا، وتألقت موسيقى برنارد هيرمان الرائعة. وطبع هيتشكوك شخصيته في كل مشهد باستخدام أفكار ثورية، ونهاية مخيفة.
"أقصى الشمال الغربي"
يرى الناقد المخضرم روغر إيبرت أن فيلم "أقصى الشمال الغربي" أكثر أفلام هيتشكوك التي أخرجها عام 1959 تسلية، ورُشح لـ 3 جوائز أوسكار، وكان النجم كاري غرانت في أفضل حالاته الساحرة.
يقول الناقد برادشو "لا أستطيع أن أتخيل أن أي شخص ينجح الآن في مزج الإثارة والمداعبات والضحك بالطريقة التي فعلها هيتشكوك في هذا الفيلم الكلاسيكي الرائع". عبر مزيج من التشويق والتآمر والكوميديا، واكبته موسيقى مخيفة من برنارد هيرمان، فعلا، نادرا ما تم تقديم هذا الخليط بشكل لذيذ.
تدور الأحداث حول رجل أتهم بجريمة قتل لم يرتكبها، ثم طورد عبر أميركا بعدة طرق، بما فيها ذلك التسلسل الكابوسي المذهل لمطاردة طائرة رش المحاصيل.
"سايكو"
قليلة هي الأفلام التي غيرت قواعد السينما بشكل عميق كما فعل فيلم "سايكو" Psycho الذي أخرجه هيتشكوك عام 1960، عن رواية بالاسم نفسه للكاتب الأميركي روبرت بلوخ، ورُشح عنه لجائزة أفضل مخرج.
فرغم مرور أكثر من 60 عاما على إطلاقه، ما زال يشكل فاصلا يؤرخ لسينما الرعب، باعتباره الأكثر إثارة للصدمة من بين أفلامه. فيكفي مشهد القتل الشهير في حوض الاستحمام، الذي يُعد أشهر جريمة سينمائية استغرقت 45 ثانية على الشاشة، لكن تصويرها استغرق أسبوعا كاملا، و78 زاوية مختلفة للكاميرا.
وبحسب إيبرت فإن ما يجعل فيلم سايكو خالدا "أنه يرتبط مباشرة بمخاوفنا، مخاوفنا من أننا قد نرتكب جريمة بشكل متهور، مخاوفنا من الشرطة، مخاوفنا من أن نصبح ضحية للجنون، وبالطبع مخاوفنا من خيبة أمل أمهاتنا".