حسان يعتقد أنه من الممكن رصد حركات الإلكترونات نفسها داخل الذرة (جامعة أريزونا)
منذ اللحظة التي تمكن فيها أحمد زويل العالم المصري الحاصل على نوبل سنة 1999، لأول مرة، من تصوير ما يحدث أثناء التفاعلات الكيميائية، عبر ابتكاره "كيمياء الفيمتو" (femtochemistry) حتى انهمك الباحثون في محاولات متحمسة لالتقاط صور في نطاقات أدق بفارق شاسع.
أهمية هذا النوع من الصور أنها تزيح الغشاوة عن عيني الكيميائيين، قبل إنجازات زويل على سبيل المثال كان من غير الممكن أن يرى الباحثون آلية عمل التفاعلات الكيميائية، فقط يمكن أن يروا المادة "س" تدخل للتفاعل مع المادة "ص" ثم يحدث شيء ما لا يراه العلماء وفقط يفترضون آليته، لتخرج المادة "ع".
السباق نحو الإلكترون
الآن، وبعد عقدين من هذا الإنجاز، تحاول فرق متعددة حول العالم أن تصل لإنجاز جديد وهو التقاط صور في نطاق "أتو ثانية " (attosecond).
حينما ابتُكرت كيمياء الفيمتو، عني ذلك القدرة على التقاط صور في جزء من المليون مليار جزء من الثانية، أما الالتقاط في نطاق "أتو ثانية" فيعني كاميرات أسرع بألف مرة.
بالتالي فإن العلماء سيتمكنون، ليس فقط من مراقبة التفاعلات الكيميائية، بل مراقبة الذرات نفسها بشكل مباشر، ويعتقد الدكتور محمد حسان الأستاذ المساعد في قسم الفيزياء بجامعة أريزونا The University of Arizona الأميركية في تقريرعلى موقع الجامعة، أنه من الممكن رصد حركات الإلكترونات نفسها داخل الذرة.
يدير حسان معملا خاصا به في الجامعة، ويطمح لأن يكون أول من يفتح هذه النافذة، لكنها مهمة صعبة جدا، فالذرة كيان صغير للغاية، لدرجة أن قطر شعرة واحدة يساوي 500 ذرة كربون تقف إلى جوار بعضها البعض.
ولو افترضنا أن الذرة الواحدة قاعة أوبرا ضخمة، فإن النواة ستكون بحجم حبة رمل منتصفها، أما الإلكترونات فستدور على الجدران وهي صغيرة جدا لدرجة أننا نحتاج، للوصول إلى نصف كتلتها، أن نضيف 30 صفرا بعد العلامة العشرية.
زويل تمكن لأول مرة من تصوير ما يحدث أثناء التفاعلات الكيميائية عبر ابتكاره كيمياء الفيمتو (معهد تاريخ العلوم – ويكيبيديا)
خطوات أولى
لكن نجاح خطوات حسان الأولى، والتي نشرت نتائجها في دوريات مرموقة مثل "ساينس Science" و"نيتشر Nature"، فتح الباب لكي يتلقى دعما كبيرا من المهتمين بهذا النطاق، سواء كانت جهات حكومية أو علمية أو تقنية.
على سبيل المثال، كان حسان قد تلقى تمويلا قدره 1.3 مليون دولار من غوردون وبيتي مور Gordon and Betty Moore Foundation في صورة جائزة بحثية. وهذه المؤسسة مبادرة أميركية أسسها غوردون إي مور الشريك المؤسس لشركة إنتل وزوجته بيتي آي مور قبل عقدين من الزمن.
كذلك فإن معمل حسان قد تلقى جائزة قيمتها 450 ألف دولار دعما من القوات الجوية الأميركية، ومؤخرًا في مارس/آذار 2020 تلقى جائزة بقيمة 1.1 مليون من مؤسسة كيك الأميركية للعلوم W.M. Keck Foundation لدعم طريقه البحثي.
وإذا ما تحققت أحلام حسان وغيره من الباحثين في هذا النطاق، فإننا على مقربة من إنجازات عظيمة في مجالات عدة يقف على رأسها الحواسيب وتطوير منظوماتها، وكذلك نطاقات علم الأعصاب وعلوم الأدوية، لأن دراسة الذرة بهذه الدقة ستفتح للعلماء مناطق لا يمتلكون حاليا فيها سوى الافتراضات وكأنهم مجموعة من فاقدي البصر في صحراء واسعة.