رقابة القضاء على دستورية القوانين:
ما من شك في أن رقابة القضاء على دستورية القوانين توحي بالثقة وتوطد العلاقات الدولية، فغياب الرقابة القضائية يؤدي إلى نتيجة غريبة وبعيدة عن منطق الحق والعدل وهي تكريس سيادة القانون على الدستور في حين أن السلطة التشريعية مؤلفة من عدة هيئات أوجدها الدستور مع غيرها من السلطات الأخرى فيجب أن تكون خاضعة لهذا الميثاق، بل أن مبدأ الرقابة القضائية على دستورية القوانين قد صار محط اتفاق بين الفقه الوضعي والفقه الإسلامي ما لم تكن هذه الرقابة قد امتدت إلى ما هو مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية التي كانت سابقة في وضع قواعد العدالة وتأسيسها، فإنه فيما يتعلق بالرقابة على دستورية القوانين التي تأخذ بالنظام السياسي الإسلامي كاليمن والمملكة العربية السعودية وغيرها من دول العالم الإسلامي فإن ذلك موكل بموجب الشريعة إلى القضاء نفسه، فمنهم من نظم ذلك في دستوره وصرح باختصاص الهيئة القضائية كما هو الحال في دستور الجمهورية اليمنية الذي جعل الاختصاص في ذلك للمحكمة العليا وكذلك صرحت الكثير من الدساتير بهذه الرقابة، ومنهم من ترك ذلك وهذا لا يعني بطبيعة الحال عدم وجود مرجعية، فالقضاء على اختلاف درجاته هو المعني بإبطال كل نظام أو قانون أو تصرف يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية في الدول التي لم تصرح باختصاص هيئة معينة للرقابة على دستورية القوانين باعتبار أن ولاية القضاء في تحقيق العدل أصلية، فالرقابة على دستورية القوانين والأنظمة هي إحدى وجوه العدالة باعتبار شمولية الوظيفة القضائية من ناحية تتعلق بتطبيق القوانين ومراعاة القانون الأعلى ضرورة قائمة بذاتها لأن ذلك يؤدي إلى حسن تطبيق القوانين، الموافقة للقاعدة الأعلى تطبيقاً سليماً. وقد ذهبت الكثير من البلدان إلى إعطاء الحق للمحكمة العليا، والبعض منها أنشأت محاكم دستورية، والمراد هنا بالرقابة القضائية التحقق من مطابقة القوانين العادية لنصوص الدستور، وتتمثل بالرقابة في إعطاء محكمة واحدة خاصة أو جميع المحاكم باختلاف درجاتها سلطة الرقابة على دستورية القوانين وتوصف الرقابة القضائية بالرقابة اللاحقة لأنها تتم بعد صدور القانون، ولم تتفق الدول التي تأخذ بالرقابة القضائية على منهاج واحد أو تتخذ طريقة واحدة بل إنها اتخذت طرقاً متعددة. ويمكننا البيان لأسلوبين رئيسيين هما الرقابة عن طريق الدعوى الأصلية والرقابة عن طريق الدفع الفرعي.
.1- الرقابة عن طريق الدعوى الأصلية:
تتمثل الرقابة عن طريق الدعوى الأصلية في قيام أحد الأشخاص المتضررين من قانون معين للطعن فيه مباشرة أمام المحكمة المختصة ودون حاجة إلى الانتظار حتى يتم تطبيق القانون عليه، فإذا تبين للمحكمة صاحبة الاختصاص أن القانون محل النزاع مخالف لنصوص الدستور فإن لها الحق أن تصدر حكماً قضائياً بإلغائه وعند ذلك يصبح هذا القانون باطلاً، ويطلق بعض الفقهاء على هذا النوع من الرقابة رقابة الإلغاء، وتقوم الدولة التي تأخذ بهذه الطريقة بتخصيص هيئة قضائية واحدة يقوم الدستور بتحديدها بمعنى أنها تأخذ بمركزية الرقابة على دستورية القوانين، ويختلف اختصاص هذه الهيئة من دولة إلى أخرى، فمنهم من جعل هذا الاختصاص من حق المحكمة العليا ومن هذه البلدان الجمهورية اليمنية الذي نص دستورها بالمادة (153) أن المحكمة العليا للجمهورية اليمنية هي أعلى هيئة قضائية ويحدد القانون كيفية تشكيلها ويبين اختصاصها والإجراءات التي تتبع أمامها وتمارس على وجه الخصوص في مجال القضاء ما يلي:
الفصل في الدعاوي والدفوع بعدم دستورية القوانين واللوائح والأنظمة والقرارات، وصرح قانون السلطة القضائية اليمني بالمادة (12) الفقرة (أ) بأنها تمارس المحكمة العليا الرقابة على دستورية القوانين واللوائح والأنظمة والقرارات وهذه النصوص تبين أن حق المحكمة العليا في الرقابة على دستورية القوانين هو حق أصيل.
.2- الرقابة عن طريق الدفع الفرعي:
أسلوب الرقابة عن طريق الدفع الفرعي تعني قيام الشخص المتضرر من القانون المخالف للدستور بالتوجه إلى المحكمة صاحبة الاختصاص للطعن مباشرة في عدم دستورية ذلك القانون كما هو الحال في الرقابة بواسطة الدعوى الأصلية ولكنه ينتظر حتى يتم تطبيق القانون عليه في قضية معينة ثم يقوم بالطعن عن طريق الدفع بعدم دستوريته والفرق بين الرقابة القضائية بطريق الدعوى الأصلية عن تلك التي تتم بطريق الدفع الفرعي ويمكننا تلخيصه في التالي:
أ- الرقابة القضائية التي تتم عن طريق الدعوى الأصلية يتخذ صاحب الدعوى فيها صفة هجومية حيث أنه يلجأ مباشرة إلى القضاء مطالباً بإلغاء القانون، أما في حالة الدفع الفرعي فإن صاحب الحق ينتظر حتى يطبق القانون عليه وعند ذلك يجادل في حجية القانون عن طريق الدفع بعدم دستوريته.
ب- في الدعوى الأصلية يصدر القضاء حكماً بإلغاء القانون إذا اتضح عدم دستوريته وبالتالي لا يجوز إعادة تطبيقه في المستقبل، أما في الدعوى الفرعية فإن القاضي يمتنع عن تطبيق القانون في النزاع المعروض عليه ولكن القانون يظل ساري المفعول وبالتالي يجوز تطبيقه في حالة أخرى.
ج- يحوز الحكم عن طريق الدعوى الأصلية حجة عامة ومطلقة كما هو صريح المادة (234) مرافعات يمني أي أن أثره ينطبق على الكافة في حين يحوز الحكم عن طريق الدفع الفرعي حجة نسبية، أي أن أثره يقتصر على النزاع المعروض أمام القضاء.
أما الرقابة السياسية فإنها تقوم بهذا الدور هيئة ذات صبغة سياسية تنشأ بموجب الدستور، ترتكز مهمتها في التحقق من مطابقة أعمال السلطة التشريعية لنصوص الدستور ويتم هذا التحقق قبل صدور القانون وسريان مفعوله، فإذا اتضح أن القانون مخالف للدستور فإن للهيئة الحق في إيقافه، ويطلق على هذه الطريقة الرقابة الوقائية، لأنها تتم قبل صدور القانون، والاختلاف بين النظامين يبدو في تحديد الجهة صاحبة الحق في الاختصاص في الفصل، فمن الدول من طبق نظام الرقابة السياسية ومنهم من طبق نظام الرقابة القضائية، والأقرب إلى مقاصد الشريعة الإسلامية هو تطبيق الرقابة اللاحقة وهي الرقابة القضائية عملاً بالحديث الشريف: «من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد» أي مردود عليه ويجب على القضاء إبطاله، فلا يجوز للقاضي أن يقضي بقانون يخالف شرع الله فالنظام السياسي الإسلامي يقوم على قاعدة أن كل قانون مخالف لشريعة الله فهو باطل، ولم يبعد نظام الرقابة السياسية إذا ما انضبط بضوابط الشريعة عن روح الشريعة ومقاصدها، إذ لا يجوز للمجالس التشريعية أن تسن قوانين تختلف مع شريعة الله، ولكن إذا ما حدث خطأ فإن معالجته لن تكون صعبة في ظل الشورى، فالنظام الإسلامي يوجب الطعن في أي قانون يختلف مع شرع الله أمام الجهة التي يتفق عليها.
منقول