جارة القمر سفيرتنا إلى النجوم وعصفورة الشرق أرزة لبنان (فيروز). اسمها الحقيقي نهاد حداد ومعروفة باسمها الفني
فيروز، هي مغنية لبنانية من مواليد بيروت قدمت مع زوجها العديد من الأغاني التي تربينا جميعنا على سماعها بشكل يومي دون ملل.
بدأت الغناء وهي في عمر صغير ولاقت انتشارًا واسعًا في الوطن العربي ولا زال صوتها من أشهر الأصوات المستمرة إلى وقتنا الحالي.
فيروز لها العديد من الألبومات الغنائية ومنها (أنا سهرانة، أناشيد، أندلسيات، بياع الخواتم، تراتيل الميلاد). انطلقت مسيرة فيروز الفنية على يد حليم الرومي الذي ألف أغانيها ولحنها عاصي الرحباني الذي تزوجها بعد قصة حب بينهما.
ما يميز فيروز عن غيرها من الفنانين أن كل أغنية لها قصتها وسنتعرض في هذا المقال بعضًا من الأغاني وقصصها.
أغاني وقصص فيروز
في أغنية (
حبيتك بالصيف) قالت فيروز:
بأيام البرد وأيام الشتي
والرصيف بحيرة والشارع غريق
تجي هاك البنت من بيتها العتيق
ويقلا نطريني وتنطر عالطريق
ويروح وينساها وتدبل بالشتي
يقول عاصي الرحباني، في إحدى المرات تأخرت على فيروز بعد أن طلبت منها أن تنتظرني لنذهب معًا للتسجيل وللصدفة أمطرت يومها وكانت فيروز قد انتظرت طويلًا تحت المطر ولكن بسبب ذاكرة فيروز التي لا تموت ظلت عشرين عامًا تذكّرني بأنها جاءت للموعد وانتظرت كثيرًا وتبللت بماء المطر فقررت كتابة كلمات هذه الأغنية وتقديمها بمثابة اعتذار واضح للخطأ الذي ارتكبته بحق تلك العاشقة التي لم ولن تُنسى.
وفي أغنية أخرى
(يالله تنام يالله تنام، لدبحلا طير الحمام) الأغنية التي يرددها الآلاف والملايين دون أن يعلموا أن وراء تلك الأغنية مأساة إنسانية حدثت في مدينة ريف دمشق (معلولا).
أغنية يالله تنام غنتها السيدة فيروز من روح معلولا وتراثها الممزوج بالألم والإبداع، وأحداث هذه الأغنية تدور حول فتاة في العاشرة من عمرها من مدينة معلولا والتي خُطفت من منزلها بينما كان أهلها يجنون أرزاقهم من الخوخ والمشمش في أراضي الوديان البعيدة. قدمت مجموعة من البدو إلى القرية وجابوا في ساحاتها، فوجدوا تلك الفتاة الوحيدة في منزلها وخطفوا الفتاة ذات السنوات العشر، وكانت أخت الشماس عيسى في ذلك الوقت.
بحث الأهل في كل مكان بحرقة وألم عن ابنتهم ولكن لم يفلحوا في معرفة مصيرها المجهول. مرت سنوات طويلة وبينما كان رجل من معلولا يبيع العنب والتين في ديار تلك القبيلة التي خطفت الفتاة، تعرفت عليه الفتاة ولكنه لم يعرفها، وفي هذه اللحظة المصيرية ارتجلت الفتاة أبياتًا من (المعلولية والآرامية والعريية) للفت انتباه الرجل وطلب النجدة منه ليخبر أهلها بمكانها دون معرفة القبيلة حيث شرعت تغني لطفلها لحظة مرور البائع تحت شباكها:
هيو يالبني يالمزبن عنبي، مليه لبي ملي لمي، نغبوني العربي ،بايثح كم الكليسا، حوني شموسا عيسى، بقرتنا حمرة نفسية، وكلبنا أسلك سلوك، يالله ينام يالله ينام، لدبحلو طير الحمام.
وكان معنى كلماتها باللغة العربية (هييي..هييي يا بياع العنب خبر أبي وخبر أمي خطفني العرب “البدو” بيتنا بجانب الكنيسة وأخي الشماس عيسى وبقرتنا حمراء سمينة وكلبنا نحيف سلوقي). فهم البائع مغزى الكلام وتعرف على الفتاة وقام بنقل رسالتها إلى أهلها متلهفًا لإخبارهم بأن ابنتهم حية ترزق، ولما اتجه الأهل إلى تلك الديار لاسترجاع ابنتهم لم يجدوا أحدًا لأن أصحاب الدار قد رحلوا إلى مكان آخر. بقيت الحسرة في قلوب الأهل وخلدت ذكراها تلك الكلمات العميقة البسيطة المليئة باللهفة والأشواق. وصلت كلمات هذه الأغنية إلى الأخوين الرحباني حيث قاموا بإعادة صياغتها وغنتها السيدة فيروز بصوتها الساحر:
يا بياع العنب والعنبية قولوا لأمي وقولوا لبيي خطفوني الغجر من تحت خيمة مجدلية، عالتيشتشي عالتشتشي والخوخ تحت الميشمشي كل ما هب الهوا لقطف لريما مشمشي، هي هي هي لينا دستك لكنك عيرينا تنغسل تياب ريما وننشرها ع اليسمينا.
من الأغاني المميزة جدا لفيروز
(سهار بعد سهار تَ يحرز المشوار)
ألحان هذه الأغنية بعيدة عن الرحباني وأظنها من أجمل ما غنت فيروز بعيدًا عن الكلمات التي لا يشبع منها ولهذه الأغنية قصة جميلة تدور أحداثها حول زيارة قام بها عبد الوهاب لبيت عاصي الرحباني وكان بيت عاصي ممتلئًا بأصدقائه وبعد السهرة قرر عبد الوهاب الرحيل بسبب الازدحام فعندما لحقه عاصي وفيروز إلى الباب ليودعاه أخبره: (سهار بعد سهار، كتار هو زوار شوي وبفلو) يقول عاصي: نظرنا إلى بعض وبدأنا الضحك. قال عبد الوهاب “كمل، بالله لتكمل” فيقول عاصي:
سهار بعد سهار تيحرز المشوار، كتار؟؟ هو زوار شوي وبفلو وعنا الحلا كلو وعنا القمر بالدار بس سهار.
وفي تلك الليلة الجميلة لم ينم عبد الوهاب حتى لحن المقطع وفي لقائه لعاصي مرة أخرى أخبره “لحنت المقطع” فيجيب عاصي “وأنا كتبت مقطع جديد” وكان المقطع:
بيتك بعيد وليل وما بخليك ترجع أحق الناس نحنا فيك، رح فتح بوابي وإنده على صحابي قلن قمرنا زار وتتلج الدنيا خبار.
أغنية لها معنى جميل جدًا ومعنى خاص للوقت الذي يجمعنا بأحبابنا..
وفي ختام هذا المقال أريد أن أوجه رسالة إلى الجيل الجديد وخصيصًا أصحاب الأصوات الجميلة من فضلكم اختاروا كلمات يخلدها التاريخ، لا تختاروا كلمات لا معنى لها وتستعيضوا بتجميلها بألحان صاخبة. عندما يصبح للأغنية قصة ستصبح جزءًا من التاريخ، انتقوا كلمات أغانيكم بدقة.
فاطمة احمد - أراجيك