قصة واقعية بكل حرف فيها، وقعت أحداثها بين شاب وابنة عمته، فمن أيام الطفولة تعود كل منهما على رؤية الآخر باستمرار وبصفة دورية للغاية كسائر أطفال العائلة، ولكن كان الذي يميز بين هذين الطفلين صفات رائعة، فالطفل يغير عليها غيرة ملحوظة شهد بها جميع رجال العائلة، والطفلة كانت ترعاه وتعتني به بطريقة أدهشت كل نساء العائلة.
ومن كثرة ارتباط كل منهما بالآخر وتعلقهما ببعض، كل العائلة كانت تتيقن أن كل منهما للآخر بعد كبرهما؛ ولكن تحدث خلافات ومشاكل عائلية بسبب الميراث وتتسبب في فك الرباط الدموي بينهم جميعا، كل تلك المشاكل يدفع ثمنها قلبين عاشقين بصدق، فيحول الأهل وبالإجبار بينهما، فتخطب الفتاة لأول رجل متقدم لخطبتها، فقد كانت فتاة في غاية الجمال وروعة الصورة، سبحان من رسم هيئتها، كما كانت تحمل قلبا صافيا لا تشوبه المشاحانات ولا الخصومات، ومن الطبيعي كان كل من رآها أسر بها، وكانت يتم رفض خطابها بسبب معرفة الجميع بحبها لابن خالها وتأكد الجميع أيضا من محبته لها، ولكن كمسألة عقاب له ولأهله تم تزويج الفتاة رغما عنها.
باليوم الذي تحدد فيه موعد زفافها هربت من منزلها مرتمية في حضن عمتها بدموع الحسرة والندم، ولكن عمتها أرغمتها على الرجوع إلى منزلها والقبول بالأمر الواقع الذي تم فرضه عليها، كان ابن خالتها يرقبها من بعيد وقلبه ينفطر عليها، لقد ذهبت إليه وضحت بكل شيء من أجله، ولكن تظل العادات المجتمعية والتقاليد تقيد القلوب.
جاء يوم الزفاف الذي ارتدت فيه الفتاة الثوب الأبيض النقي والذي بمثابة حلم كل فتاة، ولكنها لم ترى نفسها فيه إلا وكأنها ميتة القلب وحية الجسد، لم تعتبره الفتاة إلا وكأنه كفن لها، ودعت من خلاله كل سعادتها وهناءها، واستقبلت من خلاله كل الآحزان والأوجاع.
لقد ذهب الشاب ليرى حبيبة قلبه بالثوب الذي لطالما حلم به وهي ترتديه له، لم يتمكن من إخفاء دموعه وحسة قلبه، ودعها بقلب كسير يحمل تساؤلات عدة، هل يدفعا حياتهما ثمنا لأخطاء ارتكبها أهليهما؟!
تزوجت الفتاة ومر على زواجها عام، كان ميئا بالخلافات والمصاعب، لم تستطع إكمال زواجها على هذا النحو، وبالرغم من كافة محاولات العائلة لمنعها من خطوة الطلاق التي اتخذتها إلا أنها باءت بالفشل، تطلقت الفتاة وانكسر شيئا بنفسها، غابت عنها ابتسامتها التي كانت تضئ وجهها الأبيض الجميل، غابت اللمعة من عينها، أصبحت لا تعرف للسعادة سبيل.
بعد رحيلها لم يشعر الشاب للحياة من بعدها بطعم ولا لون ولا رائحة، كل شيء أصبح لديه مماثلا لغيره، لا يجد إلا في عمله الذي كيف كل حياته عليه، واستطاع أن يجعل منه سبيلا للتناسي، كان أكثر وقت يعاني منه وقت الخلود إلى النوم، كان دائما ما يتذكرها ويتذكر فعلة أهله بهما.
مرت الأيام كعادتها، وتمكن الجد من إصلاح الأمور بين أبنائه وبناته، ولكن لم تكن الأيام كفيلة بأن تداوي جروحا يبدو من ظاهرها أنها تداوت ولكنها في الحقيقة عكس ذلك؛ كان الجد يحاول جاهدا على لم شمل أفراد عائلته من جديد، وبيوم جمع بينهم جميعا على مائدة الطعام، جلست الفتاة بوجه من تحبه وتعشقه عشقا، ولكنها كلا منهما حاول على قدر استطاعته ألا تقع عينه على الآخر، وكأنهما لم يعرفا بعضهما يوما.
لم تسلم الفتاة من تساءلات بنات العائلة عن أسباب طلاقها وإلى آخره، كانت الفتاة الشعور الوحيد المخيم على نفسها حينها حزنها على ضياع حلم حياتها، لم تشعر بنفسها إلا وصوتها يختنق أثناء حديثها مع الفتيات وإذا بالدموع تسيل من عينيها، هنا وقعت عيني الشاب عليها ولم يستطع إبعادهما عنها، وكأنه يمسك نفسه غصبا ألا يجفف دموعها ويضمها إليه، عندما شعر بأنه لن يستطيع منع نفسه أكثر من ذلك، ولن يستطيع أن يتحكم في إمساك دموعه هم بالرحيل مسرعا.
أثناء طريق عودته إلى منزله لم تجف دموعه، وظلت قصتهما معلقة هكذا إلى يومنا هذا.
هل تعتقد بأنه من الممكن أن يتحدى كل العائلة ويتجاوز عقبة زواجها من غيرة ويتزوج بها، أم يتزوج من غيرها ويدفع سعادته ثمنا مثلها أيضا؟!