أنتَ عندما تكتبُ فإنّكَ تُشاركُ الناسَ هُمومَهم وأحزانَهم وتشتركُ في مُعالجَة أمورِ الحياةِ وحلّ مُشكلاتها، وتقترحُ من الحُلول ما أنضجتْه قُدورُ تَجاربِكَ، وأسْفرَ عنه صُبحُ عُمرِكَ،
فإذا اختلَفوا عليْكَ وأنكروا رأيَك واستهْجَنوا وفسَقَت رُطَبُهُم اعتزَلْتَهُم فصرْتَ وحيداً، كأنّك أمّةُ في فردٍ ولمْعَةٌ من بطنِ برقٍ ورَعْد.
أجَلْ، تحرصُ على الالتحاقِ برَكْبِ الأحداثِ والغَوصِ فيها حتّى الرُّكب، ومُواكبَةِ وَقْعها وإيقاعها، بل المُشاركَةِ في صنعِها أو جَبرِ مَكسورِها وتصحيحِ مُعوجِّها، وإنّما تُسهِمُ في مُشاركَتِكَ
بصنعِ المفاهيم التي بها تُتناوَلُ الإشكالاتُ ويُنفَذُ منها إلى التّحليل والمُعالجَة، فتكونُ لغتُك التي منها اشتقاقُ مَفاهيمك ويَكونُ ما أبدعتْهُ مُفكِّرتُك ومُخيّلتُك وناطقَتُكَ، حظَّكَ الذي تَملكُ
من صنعِ الحَدَث أو توْجيهه وتَقويمه والانفتاحِ على مُمْكناته، لأنّك تعلمُ أنّ الكلمةَ مسؤوليّةُ مَن يَملكُ زمامَها ويُحسنُ نظَمها على النّحو الذي يُنشئُ بها نصّاً مؤتلِفاً مَسبوكاً حسنَ الصّنعَة،
يُفضي إلى خطابٍ تدخلُ في تداوُله أطرافٌ كثيرةٌ، فتصيرُ حَرَكَةُ الانسلاكِ في تَداوُل القَضايا في ظلِّ خطابٍ لغويٍّ، عيْنَ الاشتراكِ في صنع الحَدث أو تَوجيهِ مَصنوعِه. وأنتَ إذا انفتحْتَ على
المُمكناتِ فإنّما تَفعلُ ذلكَ بما تَملكُه من طاقةٍ لغويّةٍ تُعربُ بالدّقّة اللازمّةِ عن طاقةٍ فكريّةٍ نافذةٍ في جسمِ الأحداث وخضمِّها، فتكونُ الأحداثُ الممكنةُ والمَخارحُ المُحتَمَلَةُ التي لم تحدثْ
بعدُ عبارةً عن مَفاهيمَ في كلماتٍ، وكلّما أخذَتْ المَفاهيمُ اللُّغويّةُ حظّها من الواقعيّةِ والصّدقِ والتَّماسُك المَنطقيّ والمصلحَة العامّة، تحوّلَت من ألفاظٍ ذاتِ طابعٍ صوتيّ يحملُ في جوفِه
دَوالَّ ومَدلولاتٍ إلى أحْداثٍ تَجْري في واقعِ النّاسِ وتُتداوَلُ في مَسالِك حَياتِهم وتُصنَعُ منها القراراتُ السَّديدُ التي تَقودُ رَكبَهُم أو توجّهُ مَسيرَتُهم وتتحكّمُ في طرُق عيشهِم وتنميةِ أوضاعِهم ..