من هو الخالد في النار ؟ ومن هو الذي سيدخل الجنّة ؟ وما جزاء من اجتنب ذنوب الكبائر من المؤمنين ؟ وإلى من تجب الشفاعة من المؤمنين ؟ ومن هو المؤمن الحقيقي ؟ وما هي أفضل حسنة وأسوء سيئة ؟ وكيف سيتم تطهير المذنبين العاملين للكبائر ؟ وما جزاء من نكث ولاية الأمير علي ثم مات ؟
*
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) :
إِنَّ وَلَايَةَ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) حَسَنَةٌ لَا تَضُرُّ مَعَهَا شَيْءٌ مِنَ السَّيِّئَاتِ ، وَإِنْ جَلَّتْ إِلَّا مَا يُصِيبُ أَهْلَهَا ، مِنَ التَّطْهِيرِ مِنْهَا بِمِحَنِ الدُّنْيَا وَبِبَعْضِ الْعَذَابِ فِي الْآخِرَةِ إِلَى أَنْ يَنْجُوا مِنْهَا بِشَفَاعَةِ مَوَالِيهِمُ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ . وَإِنَّ وَلَايَةَ أَضْدَادِ عَلِيٍّ وَمُخَالَفَةَ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) سَيِّئَةٌ لَا تَنْفَعُ مَعَهَا شَيْءٌ ، إِلَّا مَا يَنْفَعُهُمْ بِطَاعَاتِهِمْ فِي الدُّنْيَا بِالنِّعَمِ وَالصِّحَّةِ وَالسَّعَةِ فَيَرِدُوا الْآخِرَةَ وَلَا يَكُونُ لَهُمْ إِلَّا دَائِمُ الْعَذَابِ .
ثُمَّ قَالَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) :
إِنَّ مَنْ جَحَدَ وَلَايَةَ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لَا يَرَى [بِعَيْنِهِ] الْجَنَّةَ أَبَداً ، إِلَّا مَا يَرَاهُ مِمَّا يَعْرِفُ بِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ يُوَالِيهِ لَكَانَ ذَلِكَ مَحَلَّهُ وَمَأْوَاهُ فَيَزْدَادُ حَسَرَاتٍ وَنَدَمَاتٍ . وَإِنَّ مَنْ تَوَلَّى عَلِيّاً وَتَبَرَّأَ مِنْ أَعْدَائِهِ وَسَلَّمَ لِأَوْلِيَائِهِ لَا يَرَى النَّارَ بِعَيْنِهِ [أَبَداً] ، إِلَّا مَا يَرَاهُ فَيُقَالُ لَهُ لَوْ كُنْتَ عَلَى غَيْرِ هَذَا لَكَانَ ذَلِكَ مَأْوَاكَ ، وَإِلَّا مَا يُبَاشِرُهُ فِيهَا إِنْ كَانَ مُسْرِفاً عَلَى نَفْسِهِ بِمَا دُونَ الْكُفْرِ إِلَى أَنْ يُنَظَّفَ بِجَهَنَّمَ كَمَا يُنَظَّفُ الْقَذِرُ بَدَنُهُ بِالْحَمَّامِ ، ثُمَّ يُنْقَلُ عَنْهَا بِشَفَاعَةِ مَوَالِيهِ .
ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) :
اتَّقُوا اللَّهَ مَعَاشِرَ الشِّيعَةِ ، فَإِنَّ الْجَنَّةَ لَنْ تَفُوتَكُمْ وَإِنْ أَبْطَأَتْ بِهَا عَنْكُمْ قَبَائِحُ أَعْمَالِكُمْ ، فَتَنَافَسُوا فِي دَرَجَاتِهَا .
قِيلَ : فَهَلْ يَدْخُلُ جَهَنَّمَ أَحَدٌ مِنْ مُحِبِّيكَ وَمُحِبِّي عَلِيٍّ ؟
قَالَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : مَنْ قَذِرَ نَفْسُهُ بِمُخَالَفَةِ مُحَمَّدٍ وَعَلِيٍّ ، وَوَاقَعَ الْمُحَرَّمَاتِ وَظَلَمَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَخَالَفَ مَا رُسِمَ لَهُ مِنَ الشَّرِيعَاتِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَذِراً طَفِساً . يَقُولُ مُحَمَّدٌ وَعَلِيٌّ لَهُ : ﴿يَا فُلَانُ أَنْتَ قَذِرٌ طَفِسٌ ! لَا تَصْلُحُ لِمُرَافَقَةِ الْأَخْيَارِ وَلَا لِمُعَانَقَةِ الْحُورِ الْحِسَانِ وَلَا الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ . لَا تَصِلُ إِلَى مَا هُنَاكَ إِلَّا بِأَنْ يُطَهَّرَ عَنْكَ مَا هَاهُنَا "يَعْنِي مَا عَلَيْكَ مِنَ الذُّنُوبِ"﴾ ، فَيَدْخُلُ إِلَى الطَّبَقِ الْأَعْلَى مِنْ جَهَنَّمَ فَيُعَذَّبُ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِ . وَمِنْهُمْ مَنْ يُصِيبُهُ الشَّدَائِدُ فِي الْمَحْشَرِ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِ ثُمَّ يَلْقُطُهُ مِنْ هُنَاكَ وَمِنْ هُنَا مَنْ يَبْعَثُهُمْ إِلَيْهِ مَوَالِيهِ مِنْ خِيَارِ شِيعَتِهِمْ كَمَا يَلْقُطُ الطَّيْرُ الْحَبَّ . وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ ذُنُوبُهُ أَقَلَّ وَأَخَفَّ فَيُطَهَّرُ مِنْهَا بِالشَّدَائِدِ وَالنَّوَائِبِ مِنَ السَّلَاطِينِ وَغَيْرِهِمْ وَمِنَ الْآفَاتِ فِي الْأَبْدَانِ فِي الدُّنْيَا لِيُدْلَى فِي قَبْرِهِ وَهُوَ طَاهِرٌ . وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْرُبُ مَوْتُهُ وَقَدْ بَقِيَتْ عَلَيْهِ سَيِّئَةٌ فَيَشْتَدُّ نَزْعُهُ فَيُكَفَّرُ بِهِ عَنْهُ ، فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ وَقَوِيَتْ عَلَيْهِ وَيَكُونُ عَلَيْهِ بَطَرٌ أَوِ اضْطِرَابٌ فِي يَوْمِ مَوْتِهِ فَيَقِلُّ مَنْ بِحَضْرَتِهِ فَيَلْحَقُهُ بِهِ الذُّلُّ فَيُكَفَّرُ عَنْهُ ، فَإِنْ بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ أُتِيَ بِهِ وَلَمَّا يُلْحَدْ وَيُوضَعَ فِيهِ فَيَتَفَرَّقُونَ عَنْهُ فَيُطَهَّرُ ، فَإِنْ كَانَتْ ذُنُوبُهُ أَعْظَمَ وَأَكْثَرَ طَهُرَ مِنْهَا بِشَدَائِدِ عَرَصَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، فَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ وَأَعْظَمَ طَهُرَ مِنْهَا فِي الطَّبَقِ الْأَعْلَى مِنْ جَهَنَّمَ ، وَهَؤُلَاءِ أَشَدُّ مُحِبِّينَا عَذَاباً وَأَعْظَمُهُمْ ذُنُوباً . إِنَّ هَؤُلَاءِ لَا يُسَمَّوْنَ بِشِيعَتِنَا وَلَكِنْ يُسَمَّوْنَ بِمُحِبِّينَا وَالْمُوَالِينَ لِأَوْلِيَائِنَا وَالْمُعَادِينَ لِأَعْدَائِنَا ، إِنَّمَا شِيعَتُنَا مَنْ شَيَّعَنَا وَاتَّبَعَ آثَارَنَا وَاقْتَدَى بِأَعْمَالِنَا .
المصدر : (البحار : ج8، ص352، عن تفسير العسكري (ع).)
وَعَنْهُ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) قَالَ :
مَا مِنْ عَبْدٍ وَلَا أَمَةٍ أُعْطِيَ بَيْعَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فِي الظَّاهِرِ وَنَكَثَهَا فِي الْبَاطِنِ وَأَقَامَ عَلَى نِفَاقِهِ ، إِلَّا وَإِذَا جَاءَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ لِقَبْضِ رُوحِهِ تَمَثَّلَ لَهُ إِبْلِيسُ وَأَعْوَانُهُ وَتَمَثَّلَتِ النِّيرَانُ وَأَصْنَافُ عَذَابِهَا لِعَيْنَيْهِ وَقَلْبِهِ وَمَقَاعِدِهِ مِنْ مَضَايِقِهَا ، وَتَمَثَّلَتْ لَهُ أَيْضاً الْجِنَانُ وَمَنَازِلُهُ فِيهَا لَوْ كَانَ بَقِيَ عَلَى إِيمَانِهِ وَوَفَى بِبَيْعَتِهِ . فَيَقُولُ لَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ : ﴿انْظُرْ إِلَى تِلْكَ الْجِنَانِ الَّتِي لَا يُقَادِرُ قَدْرَ سَرَّائِهَا وَبَهْجَتِهَا وَسُرُورِهَا إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ، كَانَتْ مُعَدَّةً لَكَ لَوْ كُنْتَ بَقِيتَ عَلَى وَلَايَتِكَ لِأَخِي مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ ، كَانَ يَكُونُ إِلَيْهَا مَصِيرُكَ يَوْمَ فَصْلِ الْقَضَاءِ . وَلَكِنْ نَكَثْتَ وَخَالَفْتَ ! فَتِلْكَ النِّيرَانُ وَأَصْنَافُ عَذَابِهَا وَزَبَانِيَتِهَا ، وَأَفَاعِيهَا الْفَاغِرَةِ أَفْوَاهُهَا ، وَعَقَارِبِهَا النَّاصِبَةِ أَذْنَابَهَا ، وَسِبَاعِهَا الشَّائِلَةِ مَخَالِبُهَا ، وَسَائِرُ أَصْنَافِ عَذَابِهَا هُوَ لَكَ وَإِلَيْهَا مَصِيرُكَ﴾ . فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ : (يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا وَقَبِلْتُ مَا أَمَرَنِي بِهِ وَالْتَزَمْتُ مِنْ مُوَالاةِ عَلِيٍّ مَا أَلْزَمَنِي) .
المصدر : (البحار : ج24، ص18، عن تفسير العسكري (ع).)
*
عَنْ الْإِمَامِ الْكَاظِمِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ :
لَا يُخَلِّدُ اللَّهُ فِي النَّارِ إِلَّا أَهْلَ الْكُفْرِ وَالْجُحُودِ وَأَهْلَ الضَّلَالِ وَالشِّرْكِ . وَمَنِ اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يُسْأَلْ عَنِ الصَّغَائِرِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً﴾ .
فَقِيلَ لَهُ : يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ ، فَالشَّفَاعَةُ لِمَنْ تَجِبُ مِنَ المُذْنِبِينَ ؟ قَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ آبَائِهِ عَنْ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ : إِنَّمَا شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي ، فَأَمَّا الْمُحْسِنُونَ مِنْهُمْ فَمَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ .
فَقِيلَ لَهُ : يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ ، فَكَيْفَ تَكُونُ الشَّفَاعَةُ لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : ﴿وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ﴾ ، وَمَنْ يَرْتَكِبُ الْكَبَائِرَ لَا يَكُونُ مُرْتَضًى ! فَقَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يَرْتَكِبُ ذَنْباً إِلَّا سَاءَهُ ذَلِكَ وَنَدِمَ عَلَيْهِ . وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : كَفَى بِالنَّدَمِ تَوْبَةً . وَقَالَ : مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتَهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتَهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ . فَمَنْ لَمْ يَنْدَمْ عَلَى ذَنْبٍ يَرْتَكِبُهُ فَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ وَلَمْ تَجِبْ لَهُ الشَّفَاعَةُ ، وَكَانَ ظَالِماً وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : ﴿مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ﴾ .
فَقِيلَ لَهُ : يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ ، وَكَيْفَ لَا يَكُونُ مُؤْمِناً مَنْ لَمْ يَنْدَمْ عَلَى ذَنْبٍ يَرْتَكِبُهُ ؟ فَقَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : مَا مِنْ أَحَدٍ يَرْتَكِبُ كَبِيرَةً مِنَ الْمَعَاصِي وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ سَيُعَاقَبُ عَلَيْهَا إِلَّا نَدِمَ عَلَى مَا ارْتَكَبَ ، وَمَتَى نَدِمَ كَانَ تَائِباً مُسْتَحِقّاً لِلشَّفَاعَةِ ، وَمَتَى لَمْ يَنْدَمْ عَلَيْهَا كَانَ مُصِرّاً وَالْمُصِرُّ لَا يُغْفَرُ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُؤْمِنٍ بِعُقُوبَةِ مَا ارْتَكَبَ ، وَلَوْ كَانَ مُؤْمِناً بِالْعُقُوبَةِ لَنَدِمَ . وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : لَا كَبِيرَةَ مَعَ الِاسْتِغْفَارِ وَلَا صَغِيرَةَ مَعَ الْإِصْرَارِ . وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ : ﴿وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى﴾ ، فَإِنَّهُمْ لَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنْ ارْتَضَى اللَّهُ دِينَهُ ، وَالدِّينُ الْإِقْرَارُ بِالْجَزَاءِ عَلَى الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ، وَمَنِ ارْتَضَى اللَّهُ دِينَهُ نَدِمَ عَلَى مَا يَرْتَكِبُهُ مِنَ الذُّنُوبِ لِمَعْرِفَتِهِ بِعَاقِبَتِهِ فِي الْقِيَامَةِ .
المصدر : (البحار : ج8، ص352، عن التوحيد للهمداني.)