شهدت الساحة تحولا رقميا للمعارض الفنية العام الماضي بسبب جائحة كورونا
للساحة الفنية العربية قصص وحكايات تستحق كثيرا من التأمل والتمحيص، خاصة في ما يتعلق بالمؤسسات الفنية العربية، في الوقت الذي تنصبّ الكتابة النقدية على سيرة الفنانين وأعمالهم التشكيلية، دون الوقوف عند بعض الموضوعات التي تتبرعم على هامش العلاقة بين الفنان والمؤسسة.
وإذ لا تتوفر بعض الأعمال على أدنى الشروط الجمالية، لكن صاحبها قد يكون من ذوي النفوذ المادي الذي يمكّنه من دفع الحقوق المادية لإقامة معرض فني، فهناك كثير من التجارب الهامشية التي تشتغل على ابتداع مفردات بصرية ومفاهيم جمالية قادرة على الضرب بقوة في صلب الحداثة الفنية.
و"كورونا" بدت وكأنها تغيّر هذه النظرة تجاه الفن التشكيلي وتسهّل إخراجه من نخبويته عن طريق الاهتمام بتجارب عربية تستحق مزيدا من الاهتمام والدفع بها بقوة صوب سوق الفن وعالم الصحافة والإعلام، بالنظر إلى تضرر سوق الفن العربي في زمن كورونا الذي غدت فيه المؤسسات تقيم المعارض الافتراضية، مما أثر إلى حد ما في اقتناء هذه الأعمال الفنية.
وفي هذا التقرير الخاص، تلتقي الجزيرة نت مع فنانين ونقاد عرب من أجل معرفة مدى تأثير كورونا في سوق الفن وواقع التشكيل العربي في خضم الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي اللذين أصابا مدن العالم.
المعارض الرقمية
يقول أمانج أمين، وهو فنان تشكيلي عراقي -للجزيرة نت- "على أصحاب الصالات الفنية الإدراك أن المرحلة المقبلة ستشهد تحولاً رقميًا"، متابعا "لا تزال ساحة الفن التشكيلي العربي تعيش ما أطلق عليها (المرحلة الضبابية) لذلك ينبغي أن نتأمل في ما وراء الأزمة، فإذا قرأنا التاريخ سنرى أن الثورات هي التي غيرت من مسارات الفن التشكيلي وتداوله، كالثورات الدينية والاقتصادية والحروب، والآن الوباء الذي جعلني أؤمن أن يصبح مستقبل الفن أكثر عمومية واستخدامًا من قبل الآخرين وليس حكرا على طبقة معينة".
وأضاف أنه "ينبغي التفكير في كيفية التعافي من هذه المرحلة الضبابية الفنية وتراجع السوق في مرحلة الخمول هذه في الساحة الفنية العربية، وإعادة بناء خريطة جديدة تختلف تمامًا عما كانت عليها قبل ظهور فيروس كورونا، وأملي أن يؤدي هذا التحول في توفير مزيد من الفنون عبر الإنترنت إلى إضفاء الطابع الديمقراطي على الفن، مما يجعله في متناول أولئك الذين لا يستطيعون شراء تذكرة لحضور معرض فني كبير في دبي أو الدوحة أو فينيسيا وباريس ونيويورك".
الفنان التشكيلي أمانج أمين: ينبغي التفكير في كيفية التعافي من المرحلة الضبابية الفنية (مواقع التواصل الاجتماعي)
وأشار أمين إلى أن الجمهور أصبح متقبلًا لفكرة الفنون بصورة افتراضية على اعتبارها لغة العصر الرقمي الذي نعيشه، لكن التساؤل الذي يطرح نفسه: هل تعوضنا المعارض الافتراضية عن الصورة التقليدية للمعارض الفنية التي اعتدناها؟
فنشهد كثيرا من المعارض الفنية قائمة حاليًا عن بُعد، وهناك كثير من المتاحف افتتحت أبوابها افتراضيًا لزوارها طوال الجائحة ولا تزال مستمرة، والتبادل الشرائي للوحات على الإنترنت في الأعوام السابقة قبل كورونا بلغ في أعلى ارتفاع له 850 مليون دولار في حين أنه بعد انتشار الفيروس قدّرت مبيعات عام 2020، في آخر إحصائية لها، بأكثر من 4.5 مليارات دولار! وهذا مؤشر على أن السوق الفنية ازدهرت بقوة، مما جعل أهم النشاطات الفنية على الساحة العربية تشعر بالقلق كونها الأكثر تقليدية في العرض والتداول، لذلك ليس من السهل على الفنانين العرب الذين تحتكرهم بعض المؤسسات الفنية وصالات العرض التقليدية التي لا همّ لها سوى كسب بعض المال، أن يستوعبوا هذه الصفعة القوية التي يمرون بها اليوم عندما يرون توقفا في جميع نشاطاتهم التجارية الفنية.
آثار الجائحة في الحياة الفنية
يقول الفنان التشكيلي السوري سامر إسماعيل -للجزيرة نت- إن العالم وقف مرتبكا، ومكتوف الأيدي أمام وباء كورونا الذي كشف عن عجز إنساني تجاه هذه الظاهرة.
وتابع "لم تكن تجربتي بعيدة عما حدث، فقد كان من المفترض أن يكون لي معرض في صالة عشتار بدمشق في شهر أبريل/نيسان من العام الماضي، لكن الجائحة أغلقت آنذاك أبواب كل النشاطات، بعد أن كنت جهزت عددا كبيرا من الأعمال، فشعرت حينئذ بالإحباط، وتوقفت عن العمل زمنا، وكل الآمال بالتسويق ذهبت سدى. لقد أضيف عبء جديد عليهم؛ فبعد حرب دامت سنوات جاءت كورونا لتكمل الخناق على الفنان".
وأضاف "لقد تأثرت أيضا الفعاليات الفنية، فمهرجان دلبة مشتى الحلو للثقافة والفنون، وهو من أهم الفعاليات الفنية السورية، اقتصر نشاطه على ملتقى فني ونحتي محدود العدد، وألغيت كل النشاطات الجماهيرية الموازية".
ويقول الرسام عدنان حميدة -للجزيرة نت- في هذا الصدد "بالنسبة لي تعطل اقتناء أعمالي في أوروبا بسبب الحجر المنزلي، وتراجع اهتمام الناس بالفن عموما، يضاف إلى ذلك تراجع التسويق عالميا".
الشحن الجوي والأزمات الجمركية
ويرى الناقد الفني السوري سامي داود أن "أي موضوع يخضع لقوة المال، سواء أكان ثقافيا أم أخلاقيا، يغدو بضاعة ويفقد استقلالية شروط إنتاجه وتأثيره. لذلك يؤخذ الموضوع من وجهة نظر مالية محضة، فلا يمكننا أن نفترض أن الفن من حيث هو شيء في السوق، قد تفوق بما هو فن، على قانون العرض والطلب في السوق".
الفنان التشكيلي سامي داود يرى أن خضوع الفن لقوة المال تجعل منه بضاعة غير مستقلة (مواقع التواصل)
وتابع "مع تعطل حركة الشحن الجوي، حيث هي المعبر الأساسي لحركة الأعمال الفنية، تضاعفت كلفة النقل، فانكمش الطلب على السلع الثقافية. وإذ لا يمكن تعويض بعض الفنون ببدائل رقمية رغم محاولات مؤسسات فنية كثيرة توفير منصات رقمية للاطلاع على موادها، فإن ذلك لم يسهم في منح مقتني الفنون حافزا للاستمرار في إشباع شغفه الجمالي و تفريد مجموعته الفنية بالأعمال التي يجدها، وفقا لذائقته الجمالية، أعمالا يجب اقتناؤها".
وختاما، فإنه يمكن للموسيقى أن تستمر على الأسطوانة، مع بعض الرتوش الخفيفة في مزاج عملية التلقي، أما نقل ملمس اللون أو فراغ المنحوتة إلى المستوى الإلكتروني فمتعذر؛ هذه النقطة جوهرية في عملية التلقي.