سناء جميل“الصدق أسهل طريقة أنك تصل بيها لقلوب الناس”
فيلم حكاية سناء فيلم تسجيلي من نوع “الدراما الوثائقية- docudrama” للمخرجة روجينا باسيلي، من إنتاج المركز القومي للسينما ويُقدم الفيلم بصوت الفنان ماجد الكدواني. يعتمد الفيلم على اللقاءات التي أجرتها الراحلة سناء جميل بالإضافة إلى تسجيلات مع زوجها الكاتب لويس جريس والفنانين الذين عملوا معها مثل : سميحة أيوب، جميل راتب، فاروق الفيشاوي ومنى ذكي. كذلك المخرجين مثل شريف عرفة والنقاد السينمائيين مثل طارق الشناوي. يستعرض الفيلم حياة الجميلة سناء جميل منذ التحاقها بالمدرسة في سن تسع سنوات حتى وفاتها مروراً بدراستها في معهد السينما وأهم الأعمال الفنية التي قامت بها.
زهرة الصبار تُقطع من جذورها، للأبد
“طبعا يصعب عليا، معملتش حاجه تشين. بعدين أنا متجوزه راجل كويس. هما كمان الظاهر عندهم إصرار إنهم يقطاعوني، عرفت ليه بحس بخوف بقى؟”
ثريا يوسف عطالله، مواليد المنيا قرية ملوى عام 1930. تمضي أعوامها التسع الأولى في أمان في أحضان أسرتها في المنيا بشكل طبيعي جدا. في عام 1939 تتغير حياة ثريا كلياً بوضعها في مدرسة داخلية، تُدفع تكاليفها كاملة حتى التخرج ويختفى أهلها تماماً عن المشهد لسبب مجهول حتى لثريا نفسها حتى آخر أيامها.ومع قرب انتهاء المرحلة الثانوية تتعرف ثريا على خالتها القاطنة بغمرة، لتعرف للمرة الأولى معنى العائلة وتكتمل عائلتها بوجود أخ -أو أخ غير شقيق حتى-. تخبرهم ثريا برغبتها وحبها للتمثيل ونيتها للتقديم في المعهد العالي للفنون المسرحية. لتجد ثريا الرفض الشديد من أهلها ويتحول الوضع من مجرد رفض لعنف جسدي يمارس عليها من قبل أخوها، يصفعها على وجهها. الضربة التي تفقدها حاسة السمع في إحدى أذنيها.
تقرر تلك الفتاة الصغيرة القوية -رغم صغر سنها- أن تترك منزل خالتها وتذهب إلى اللامكان حرفياَ، شابة في مقتبل العمر بلا عمل ولا أموال ولا أقارب تجوب شوارع القاهرة في ليلة حريق القاهرة الكبرى لا تلوى على شيء. كم يحتاج هذا إلى شجاعة كبيرة!منذ تلك الليلة انقطعت علاقة ثريا بعائلتها بلا رجعة، حتى عند موتها في عام 2002 لم يحضر أحد من أهلها بالرغم من انتشار الخبر في الصحف و إصرار زوجها على تركها ثلاثة أيام في المستشفى لعل وعسى يحضر أحدهم كما تمنت كثيرا في حياتها. ولكن “لم يحضر أحد” وكأن تلك زهرة الصبار في ليلة حريق القاهرة قُطعت من جذورها، قُطعت بعنف دون تفكيرهم في زرعها مرة أخرى. كم يكون الإنسان قاسي بدون سبب منطقي!
التحول القاسي من ثريا لسناء
“مفروشة مين يا أستاذ مفيد؟ اشتريت مولة بالفلوس وخلصت مفيش مرتبة، هي ديه بقى اللي بتصعب عليا بس لاني نمت على هدومي وحطيتها بدل المرتبة ودية عملتلي انزلاق غضروفي”
تحولت ثريا لسناء جميل بسبب الصعاب التي عايشتها، كما وصفتها دائماً أن “المِحن هي من تصنع الإنسان.” بعد طردها من بيت أهلها يساعدها الدكتور “زكي طليمات” في العثور على بيت مغتربات تسكن به وعمل في الفرقة الخاصة به ليصبح مجمل دخلها في الشهر إثنى عشر جنيهاً من المعهد ومن الفرقة.
بجانب دراستها وعملها في الفرقه كانت تعمل في تطريز المفارش ومنه كانت تتحصل على بعض الأموال الإضافية. منهم استطاعت أن تدخر بعض الأموال وتنتقل إلى شقة إيجار، سريرها لا تعلوه مرتبة مما أصابها بانزلاق غضروفي فيما بعد. في إحدى اللقاءات أوضحت أنها مع ذلك لم تكن تشعر بشيء سوى السعادة الشديدة بسبب حبها للتمثيل، انشغلت عن سوء الأحوال بالدراسة في المعهد وتَعلم واتقان العربية بسبب تعليمها الأساسي الفرنسي.
في تلك الاُثناء يعرض عليها أدوار صغيرة في السينما تقبل بها بغرض أولاً الحصول على المال وثانياً أن تعرف في الأوساط الفنية أكثر، كانت سناء جميل دائماً تراهن على السينما بسبب سهولة تخزينها مما يضمن لها البقاء وقت أطول. وفي عام 1960 يُعرض على سناء جميل أول عمل ليكون الحجر الأول في بناء صرحها الفني، “بداية ونهاية“ لصلاح أبو سيف عن رواية نجيب محفوظ، فتاة في الثلاثين من عمرها غير معروفة تقريباً تقوم بدور صعب رفضته فاتن حمامة شخصياً. مرة آخرى تتقدم سناء بشجاعة بلا تردد.
اخيرا تجد زهرة الصبار مشتل أمن
هكذا عبرت السيدة سناء جميل لوصف علاقتها مع زوجها واحترامها له. تعرفت سناء جميل على الدكتور لويس جريس في بدايات الستينات في حفل لأصدقاء مشتركين في أثناء عرض فيلم بداية ونهاية في السينما الذي شاهده لويس خصيصا يوم لقائه بها الأول. عندما طُلب من الدكتور لويس سرد قصة لقائه معها في الفيلم التسجيلي، عرضها بكل تفاصيله حتى أنه تذكر رقم هاتفها التي طلبت منه أن يتصل بها عليه. وبالرغم من مرور تقريباً 55 عام على هذه التفاصيل إلا إنه يتذكرها كامله. وبعد فترة توافق سناء على عرض الزواج الذي قدمه لويس مسبقا، كما استغرب من رغبتها في الزواج بسرعة وطلب منها بعض الوقت ليغير ديانته من أجلها بسبب ظنه أنها مسلمة. بسبب إصرارهم الشديد على الزواج قرروا تغيير الطائفة التي سيتم الزواج من خلالها فقط ليتم الزواج في نفس اليوم.“أنا أحب يقولوا إني مرات لويس جريس، دية في دمنا إحنا. إحنا الصعايدة الرجل عندنا تاج فوق راسنا بحترمه مش غصب عني، بحترمه بإرادتي لانه يستحق الإحترام”
يعقب لويس على حديث سناء عنه في الفيلم قائلاً :
موضحاً ومؤكداً على أهم القوانين في الحياة الزوجية الناجحة بين أى زوجين، الاحترام والحب عمودان أساسيان تبنى عليهما العلاقات الصحية.“فعلا دا اللي كان بيني وبين سناء، أنا احترم عملها واحترمها. ودا اللي خلا العلاقة تمتد بيننا لواحد وأربعين سنة عشانها بدون مشاكل. محظوظ لأني تزوجت سناء جميل، وأعتقد أنني لو كنت تزوجت أى زوجة أخرى ما كان من الممكن أن تكون حياتي ثرية كما كانت مع سناء جميل”
الأم سناء جميل
في بدايات زواج سناء جميل والدكتور لويس اتفقا على عدم الإنجاب، وكانت توضح دائماً سناء أن تربية الطفل تحتاج لتفرغ كامل وتحمل للمسئولية وتعترف أنها لا تقدر على تحمل تلك المسئولية. يزداد احترام الإنسان لتلك السيدة لصراحتها مع نفسها أولا ومع شريك حياتها ثانيا وأخيرا مع جمهورها. لم تكن سناء انانية بالقدر الذي يجعلها تنجب طفل لمجرد تلبية غريزة الأمومة ولا تهتم بتربيته فيما بعد. يوضح الدكتور لويس في حواره في الفيلم أنه فيما بعد، بعدما تخطت سناء عامها الستين اعترفت بخطأها في قرار عدم الإنجاب وتمنت لو كان لديها طفل.
التمثيل الاختيار الأول دائماً عند سناء جميل
في مرحلة الثانوية اختارت ثريا التمثيل ليكون هوايتها في المدرسة، وعندما خيرت سناء في المجال الذي ستتم به تعليمها العالي اختارت التمثيل و الإلتحاق بمعهد الفنون المسرحية، عندما عارض أهلها دخولها للمعهد اختارت أيضاً التمثيل ولو على حساب الوحدة، كذلك اختارت التمثيل ليواسيها على الأيام الشاقة التي عاشتها وحيدة، واخيراً اختارت سناء جميل التمثيل على حساب الإنجاب وغريزة الأمومة. كم يحتاج المرء للشجاعة للتمسك بحلمه وشغفه الذي في كثير من الأحيان يكون عكس الظروف ومقتضيات الواقع.
وصفت سميحة أيوب سناء جميل في حوارها “كانت مجتهدة مش بس في المعهد، كمان على خشبة المسرح، سناء جميل بقي” قد تكون لخصت سميحة أيوب شخصية سناء في هذا الوصف، الإجتهاد والإلتزام والشغف وهم من صنعوا سناء جميل. تعددت أدوار سناء جميل سواء في المسرح أو التليفزيون أو السينما أو حتى الإذاعة، كما أتقنت مختلف أنواع الأدوار سواء الأرستقراطية أو البنت الفقيرة، الأم الشديدة والتاجرة الجشعة منعدمة الثقافة. كيف كانت سناء تتلون وتتشكل لتسجد كل هذا ؟
اللغات التي تتحدثها سناء جميل
معروف عن سناء جميل أنها تتحدث الفرنسية بطلاقة بسبب مدرستها و تعليمها الأساسي كما تعلمت العربية واتقانتها في المعهد للتمثيل باللغة العربية. ولكن تتقن سناء جميل لغات من أنواع أخرى، لغة العيون التي تبدع بها سواء في الحزن والفرح والإنكسار والحماس. قد تكون هذه اللغة منتشرة بين الكثير من الفنانين المتمكنين ولكن من اللغات الأخرى التي تميز سناء هى لغة الهمس و الإيحاءات الجسدية. كما وصفها شريف عرفة ” التكنيك عالى علشان كدا مش بيبان انها بتمثل، بتصدقها أوي من كتر ما هي دخلت جوا الشخصية ودخلتها جواها. وإنها كمان عارفه الفرق بين مختلف أنواع الدراما ازاي تنفعل على المسرح وازاي تنفعل وتعيط للسينما وازاي صوتها يتغير في الاذاعة“
أن يستخدم الممثل كل أدواته الجسدية ليتأكد من إيصال الإحساس يجعل منه ممثل متمكن، لحد أن يحافظ على سقوط الدموع من عينه في تكرار مشهد ما أربعة عشر مرة! حتى الصرامة التي قد تبدو على وجهها تستخدمها أيضاً في الأدوار التي تحتاج إلى ملامح جادة صارمة مثل السجانة، ليتفاجئ المتلقي بكم الحنان الذي قد يخرج من هذا الوجهة عندما يتحول لأم حزينة على ابنتها.
سناء جميل والإذاعة
التمثيل سواء في المسرح أو السينما يعتمد بشكل أساسي على الصوت ونبراته وحركات الجسد وتعبيرات الوجه كلاً منهما يكمل الآخر. في الإذاعة الأمر مختلف، مطلوب من المؤدي إيصال المشاعر بصوته فقد وهو أمر جداً صعب. ولكن لم يكن كذلك مع سناء فتمثيل مسلسل إذاعي متعدد الشخصيات وحيدة كان أمر سهل بالنسبة لها مثل المسلسل الإذاعي “الصبر في الملاحات” الذي لاقى نجاحاً كبيراً وأصبح علامة مميزة في التاريخ الإذاعي.
من هي سناء جميل فعلا؟
في آخر الحوار مع الضيوف كانوا يسألوا من في أدوار سناء جميل هي الأقرب لهم وتعبر عنها، سناء جميل هي جميعهم. كما كانت توضح لمفيد فوزي أن التجاعيد والشعر الأبيض والصعاب هي من فعلت سناء جميل كذلك كل الأدوار التى قامت بها هي من جعلت وشكلت سناء جميل حتى أكثرهم بعداً عنها في الواقع هي جزء منها بشكل ما.
شيماء العيسوي - أراجيك
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة basher4
