عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ التَّيِّهَانِ (رَحِمَهُ اللَّهُ) :
أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ) خَطَبَ النَّاسَ بِالْمَدِينَةِ ، فَقَالَ :
الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ ، كَانَ حَيّاً بِلَا كَيْفٍ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كَانٌ وَلَا كَانَ لِكَانِهِ كَيْفٌ ، وَلَا كَانَ لَهُ أَيْنٌ وَلَا كَانَ فِي شَيءٍ وَلَا كَانَ عَلَى شَيءٍ ، وَلَا ابْتَدَعَ لِكَانِهِ مَكَاناً وَلا قَوِيَ بَعْدَ مَا كَوَّنَ شَيْئاً ، وَلا كَانَ ضَعِيفاً قَبْلَ أَنْ يُكَوِّنَ شَيْئاً ، وَلا كَانَ مُسْتَوْحِشاً قَبْلَ أَنْ يَبْتَدِعَ شَيْئاً وَلا يُشْبِهُ شَيْئاً ، وَلا كَانَ خِلْواً عَنِ الْمُلْكِ قَبْلَ إِنْشَائِهِ ، وَلا يَكُونُ خِلْواً مِنْهُ بَعْدَ ذَهَابِهِ . كَانَ إِلَهاً حَيّاً بِلا حَيَاةٍ وَمَالِكاً قَبْلَ أَنْ يُنْشِئَ شَيْئاً ، وَمَالِكاً بَعْدَ إِنْشَائِهِ لِلْكَوْنِ ، وَلَيْسَ يَكُونُ للهِ كَيْفٌ وَلا أَيْنٌ وَلا حَدٌّ يُعْرَفُ وَلا شَيءٌ يُشْبِهُهُ ، وَلا يَهْرَمُ لِطُولِ بَقَائِهِ وَلا يَضْعُفُ لِذُعْرَةٍ ، وَلا يَخَافُ كَمَا تَخَافُ خَلِيقَتُهُ مِنْ شَيءٍ ، وَلَكِنْ سَمِيعٌ بِغَيْرِ سَمْعٍ وَبَصِيرٌ بِغَيْرِ بَصَرٍ وَقَوِيٌّ بِغَيْرِ قُوَّةٍ مِنْ خَلْقِهِ . لَا تُدْرِكُهُ حَدَقُ النَّاظِرِينَ وَلا يُحِيطُ بِسَمْعِهِ سَمْعُ السَّامِعِينَ ، إِذَا أَرَادَ شَيْئاً كَانَ بِلَا مَشُورَةٍ وَلَا مُظَاهَرَةٍ وَلَا مُخَابَرَةٍ ، وَلَا يَسْأَلُ أَحَداً عَنْ شَيءٍ مِنْ خَلْقِهِ أَرَادَهُ ، لَا تُدْرِكُهُ الأبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ ، وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ . وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاّ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، أَرْسَلَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ، فَبَلَّغَ الرِّسَالَةَ وَأَنْهَجَ الدَّلالَةَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) .
أَيُّهَا الأمَّةُ الَّتِي خُدِعَتْ فَانْخَدَعَتْ !.
وَعَرَفَتْ خَدِيعَةَ مَنْ خَدَعَهَا ، فَأَصَرَّتْ عَلَى مَا عَرَفَتْ .
وَاتَّبَعَتْ أَهْوَاءَهَا ، وَضَرَبَتْ فِي عَشْوَاءِ غَوَايَتِهَا .
وَقَدِ اسْتَبَانَ لَهَا الْحَقُّ فَصَدَّتْ عَنْهُ ، وَالطَّرِيقُ الْوَاضِحُ فَتَنَكَّبَتْهُ .
أَمَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ ، لَوِ اقْتَبَسْتُمُ الْعِلْمَ مِنْ مَعْدِنِهِ وَشَرِبْتُمُ الْمَاءَ بِعُذُوبَتِهِ ، وَادَّخَرْتُمُ الْخَيْرَ مِنْ مَوْضِعِهِ ، وَأَخَذْتُمُ الطَّرِيقَ مِنْ وَاضِحِهِ ، وَسَلَكْتُمْ مِنَ الْحَقِّ نَهْجَهُ ، لَنَهَجَتْ بِكُمُ السُّبُلُ وَبَدَتْ لَكُمُ الأعْلامُ وَأَضَاءَ لَكُمُ الإسْلامُ ، فَأَكَلْتُمْ رَغَداً وَمَا عَالَ فِيكُمْ عَائِلٌ وَلا ظُلِمَ مِنْكُمْ مُسْلِمٌ وَلا مُعَاهَدٌ .
وَلَكِنْ سَلَكْتُمْ سَبِيلَ الظَّلامِ ، فَأَظْلَمَتْ عَلَيْكُمْ دُنْيَاكُمْ بِرُحْبِهَا وَسُدَّتْ عَلَيْكُمْ أَبْوَابُ الْعِلْمِ ، فَقُلْتُمْ بِأَهْوَائِكُمْ وَاخْتَلَفْتُمْ فِي دِينِكُمْ فَأَفْتَيْتُمْ فِي دِينِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ، وَاتَّبَعْتُمُ الْغُوَاةَ فَأَغْوَتْكُمْ ، وَتَرَكْتُمُ الأئِمَّةَ فَتَرَكُوكُمْ ، فَأَصْبَحْتُمْ تَحْكُمُونَ بِأَهْوَائِكُمْ . إِذَا ذُكِرَ الأمْرُ سَأَلْتُمْ أَهْلَ الذِّكْرِ فَإِذَا أَفْتَوْكُمْ قُلْتُمْ هُوَ الْعِلْمُ بِعَيْنِهِ ، فَكَيْفَ وَقَدْ تَرَكْتُمُوهُ وَنَبَذْتُمُوهُ وَخَالَفْتُمُوهُ ؟! رُوَيْداً عَمَّا قَلِيلٍ تَحْصُدُونَ جَمِيعَ مَا زَرَعْتُمْ !. وَتَجِدُونَ وَخِيمَ مَا اجْتَرَمْتُمْ وَمَا اجْتَلَبْتُمْ !.
وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ ، لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي صَاحِبُكُمْ وَالَّذِي بِهِ أُمِرْتُمْ ، وَأَنِّي عَالِمُكُمْ وَالَّذِي بِعِلْمِهِ نَجَاتُكُمْ ، وَوَصِيُّ نَبِيِّكُمْ وَخِيَرَةُ رَبِّكُمْ وَلِسَانُ نُورِكُمْ ، وَالْعَالِمُ بِمَا يُصْلِحُكُمْ . فَعَنْ قَلِيلٍ رُوَيْداً يَنْزِلُ بِكُمْ مَا وُعِدْتُمْ ! وَمَا نَزَلَ بِالأمَمِ قَبْلَكُمْ . وَسَيَسْأَلُكُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ أَئِمَّتِكُمْ ، مَعَهُمْ تُحْشَرُونَ وَإِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ غَداً تَصِيرُونَ .
المصدر : (الكافي : ج٨، ص٣٢.)