أعظم الإمبراطوريات في التاريخ
3
مفهوم الإمبراطورية هو بسط سلطة دولة ما على أراض خارجية واسعة وعلى عدة مجموعات عرقية ويحكمها امبراطور واحد. بدأت فكرة الامبراطوريات منذ قديم الزمن، وكانت البداية في رغبة مدينة ما قديمة في السيطرة على إحدى البلدان المجاورة بهدف إنشاء دولة أكبر. وهناك مَن لم يكتفِ بالسيطرة على بلدٍ واحدةٍ وسعى للسيطرة على عدة بلدانٍ مجاورة حتى تكوّنت إمبراطورية ضخمة. إذ أنّ عظمة الإمبراطورية ترتكز بشكل أساسي على اتساعها وتعداد سكانها واقتصادها ومدة بقائها، إضافة إلى عوامل أخرى كطبيعة الحكم فيها ورضا الشعوب وغيرها. لقد استطاعت العديد من الامبراطوريات الصمود لمئات السنين بفضل قوتها وذكاء حُكامها، حتى إنها صارت من أعظم الإمبراطوريات في التاريخ التي ينحني لها الناس تقديؤًا واحترامًا، فقد استطاعت حفر اسمها في صفحات التاريخ بجدارة.
إليك أعظم الإمبراطوريات في التاريخ
الإمبراطورية الأكادية (2200-2300 ق.م.)
خريطة تُوضع نطاق الامبراطورية الأكادية.
قامت هذه الإمبراطورية (2083-2334 ق.م.) على عاصمتها مدينة أكاد والمناطق المجاورة لها، وكانت الإمبراطورية الأكادية هي السلف الذي سبق ظهور الدول الأكادية مثل: بابل وآشور، والتي تشكلت بعد عدة قرون بمزيج من الثقافات الأكادية وأخرى غيرها.
بلغت هذه الإمبراطورية أوج قوتها بين القرنين 23 و 24 قبل الميلاد، أي الفترة التي تلت غزوات الملك الأكادي الشهير (سرجون). تُشير الكثير من صفحات التاريخ إلى أنّ سرجون كان من أسرة بسيطة، فقد كان والده يعمل بستانيًا، بينما كانت أمه كاهنة لعشتار أو إنانا -آلهة بلاد الرافدين- وكان سرجون ساقيًا للملك أور زبابا وهو ملك كيش. بعد ذلك عمِل سرجون كبستاني، وخلال عمله هذا استطاع التقرب من العمال، ويُعتقد أنهم كانوا جنوده الأوائل الذين ساعدوه في تأسيس امبراطوريته الجديدة. وتمثل هذه الإمبراطورية أول ظهور للإمبراطوريات في التاريخ.
الإمبراطورية الفارسية (330-550 ق.م.)
صورة لخريطة بلاد فارس.
وتعرف أيضاً بالإمبراطورية الإخمينية، وهي الدولة الوريثة لإمبراطورية الميديين التي حكمت إيران، تأسست على يد الملك الفارسي سايروس العظيم، وامتدت على ثلاث قارات: آسيا وإفريقيا وأوروبا. وفي أقصى اتساعها خضعت لهذه الإمبراطورية أراضي إيران وأفغانستان وباكستان وأذربيجان وأجزاء من آسيا الوسطى وآسيا الصغرى وتراقيا (منطقة في جنوب أوروبا بين اليونان وبلغاريا وتركيا) ومكدونيا والعراق وشمال السعودية وبلاد الشام وكافة مناطق التركز السكاني في مصر وحتى ليبيا.
وبذلك تكون الإمبراطورية الفارسية هي الأضخم في التاريخ القديم بمساحة تقدر بحوالي 8 مليون كم2. وتعرف في التاريخ الغربي بصفتها العدو اللدود لليونان القديمة. تقهقرت هذه الإمبراطورية على يد ملك مقدونيا الاسكندر الثالث وانهارت عام 330 ق.م. يعزو المؤرخون القوة التي وصلت إليها الإمبراطورية الفارسية إلى النموذج الناجح في الحكم المركزي وإلى عمل الحكومة بغرض مصلحة الجماعة، وهذا جعلها تمتد لفترة زمنية طويلة للغاية، فأصبحت واحدة من أعظم الإمبراطوريات في التاريخ.
الدولة الأموية (661–750 م)
الخلافة هي النموذج الإسلامي من الحكم الذي يعبر عن الوحدة السياسية للعالم الإسلامي، وكانت الخلافة الأموية هي الثانية من بين أربع خلافات تأسست بعد وفاة رسول الله محمد -صل الله عليه وسلم- وكانت تحكمها عائلة أمية وهي تنحدر من أمية بن عبد شمس الجد الأكبر للأمويين.
ورغم كوّن الأمويين من مكة في الأصل، إلا أنهم اتخذوا من دمشق عاصمةً لخلافتهم. زادت مساحة الأراضي التي سيطرت عليها هذه الإمبراطورية عن 13 مليون كم2 فكانت حينها أكبر إمبراطورية في العالم؛ وحتى الآن هي خامس أكبر إمبراطورية متواصلة الأراضي في العالم، كما اعتبرت أكبر دولة أسسها المسلمون عبر التاريخ.
لطالما اعتُبر نظام الحكم في الدولة الأموية من أفضل أنظمة الحكم في العالم، حيث كان يآزر الخليفة في الحكم 6 مجالس: ديوان الخراج وديوان الرسائل وديوان العمال وديوان الخاتم وديوان البريد وديوان القضاة.
غرقت الدولة –أثناء ما يعرف بمرحلة حكم جيل الأحفاد- في الصراعات الداخلية، وتتالت الثورات على امتداد مساحة الدولة إلى أن أتى المد العباسي من المشرق وكانت معركة الزاب الكبير التي انتهت بسقوط الدولة الأموية عام 750 م.
الإمبراطورية الصينية -حكم سلالة تشنغ- (1890–1912)
كانت سلالة كينج هي آخر عائلة حكمت الصين، امتد حكمها من عام 1644 إلى 1912 م. بدأت القصة بحكم عائلة مينغ ثم تشكل جمهورية الصين، ثم بدأت عائلة كينج حكمها من منشوريا وتمددت إلى كافة أرجاء الصين مُشكلّة إمبراطورية كينج الصينية العظيمة.
بلغت الإمبراطورية سطوتها في القرن الثامن عشر حيث كان الاتساع في الأرضي والتزايد في السكان، وبلغت مساحتها 14.7 مليون كم2 .في 1820، بلغ النتاج القومي الصيني 32% من النتاج العالمي. بمرور الوقت بدأ استياء الشعب من الأسرة الحاكمة وبدأت الأحزاب الثورية في التشكل، وفي عام 1905، اتفقت تلك الأحزاب الثورية على التعاون والاتحاد في حزبٍ واحدٍ ببعض من الدعم الخارجي من اليابان. في عام 1911، كانت الانتفاضة الحازمة التي قام بها الحزب القومي الصيني في مدينة وتشانغ، وأيد جنود أسرة كينج الثوار، وأعلنت 15 مقاطعة استقلالها. غي النهاية اضطر الامبراطور الخضوع لهم وإعلان نظام الجمهورية. وفي عام 1912 انتهت الامبراطورية.
الدولة العثمانية (1299-1922)
صورة توضح نطاق الامبراطورية العثمانية.
هي إمبراطورية إسلامية أسسها عثمان الأول بن أرطغرل، وتحولت إلى إمبراطورية بغزوها للقسطنطينية عام 1453 (القسطنطينية هي اسطنبول اليوم)، بدأت هذه الامبراطورية العظيمة في شرق الأناضول (آسيا الصغرى) وتوسعت في فتوحاتها حتى إنها استطاعت الوصول إلى جنوب شرق أوروبا حتى وصلت إلى فيينا. استطاعت ضم أكثر من 29 ولاية بين أوروبا وأسيا وإفريقيا، حكمتها السلالة العثمانية التي تنتمي إلى العرق التركي، بلغت الدولة العثمانية ذروة قوتها في عهد السلطان سليمان الأول (المعروف باسم سليمان القانوني) وبانتهاء عهده بدأت تضعف وتتراجع تدريجياً إلى أن انتهت بشكل رسمي بتوقيعها على معاهدة لوزان. لقد صمدت هذه الدولة حتى القرت الماضي، تحديدًا في عام 1922 وحلت محلها الجمهورية التركية، واستقلت العديد من البلدان عنها.
الإمبراطورية الروسية (1721–1917)
صورة توضح نطاق الامبراطورية الروسية.
هي إمبراطورية نشأت منذ 1721 وامتد حكمها حتى الثورة الروسية عام 1917، في عام 1866 امتدت هذه الإمبراطورية نحو أوروبا الشرقية وأسيا وأميركا الشمالية، ومنذ القرن التاسع عشر كانت روسيا أكبر بلاد العالم مساحةً؛ ممتدة بين المحيط المتجمد الشمالي شمالاً والبحر الأسود جنوباً، وبين بحر البلطيق غرباً والمحيط الهادي شرقاً؛ فكانت بذلك ثاني أكبر إمبراطورية متصلة الأراضي في التاريخ.
إمبراطورية مغول الهند (1526–1857)
صورة توضح نطاق امبراطورية مغول الهند على سطح الأرض.
هي إمبراطورية إسلامية حكمت أجزاء واسعة من شبه القارة الهندية، فغزت وحكمت أغلب جنوب آسيا في نهاية القرن السابع عشر وأوائل القرن الثامن عشر، وغاب نجمها في منتصف القرن التاسع عشر. انحدر أباطرة هذه الإمبراطورية من التيموريين وهي سلالة تركمانية، وحكموا في أوج قوتهم معظم القارة الهندية بمساحة تفوق 4 مليون كم2، وسكنها بين 110 و 130 مليون نسمة.
بدأت النهاية لهذه الإمبراطورية بموت الإمبراطور أبو المظفر محي الدين محمد أورانكزيب في 1707 م. وبدأت بعدها سلسلة الهزائم على أيدي الأوروبيين حتى سقطت عام 1857. لاتزال تماثيل الأباطرة موجودة إلى الآن، لعل أهم إرث تركته هذه الإمبراطورية في تاريخ الهند هو العمارة، ومن منا لم ينبهر بجمال (تاج محل) الذي بناه أحد الأباطرة المغول ليضم رفات زوجته بعد موتها ويخلد ذكراها، والذي يعد من أهم الأمثلة التاريخية للعمارة الإسلامية والمغولية. لم يكتفوا بتوحيد البلاد فحسب بل وضعوا عملة موحدة للدولة ونظاماً طرقياً مميزاً، فكانت البضائع والمحاصيل تصدر لجميع أنحاء العالم. واستطاعت بجدارة أن تحفر اسمها في قائمة أعظم الامبراطوريات في التاريخ.
إمبراطورية المغول (1206–1368)
بين القرنين الثالث عشر والرابع عشر، امتدت إمبراطورية المغول من شرق أوروبا عبر آسيا، نشأت من اتحاد القبائل المغولية والتركية فيما يعرف اليوم بمنغوليا، وبدأت بالنمو عبر الغزوات المتواصلة بعدما أُعلن جنكيز خان كحاكم لكافة المغول عام 1206.
في أقصى اتساعها امتدت هذه الإمبراطورية من الدانوب غرباً إلى بحر اليابان شرقاً، ومن المتجمد الشمالي إلى كامبوديا جنوباً، فبلغت مساحتها أكثر من 24 مليون كم2، أي 22% من مساحة اليابسة على سطح الأرض، وسكن هذه المساحة الشاسعة ما يفوق 100 مليون نسمة. لكن ما لبثت أن تجزأت هذه الإمبراطورية بعد حروب متواصلة. ومع نهاية القرن الثالث عشر كانت قد تقسمت إلى 4 امبراطوريات مختلفة، لكل منها كيانها الخاص. طبعاً، إمبراطورية المغول هذه أكبر إمبراطورية متواصلة الأراضي عبر التاريخ، وثاني أكبر إمبراطورية مساحة على الإطلاق.
إمبراطورية الروم (27 ق.م. -1453 م)
صورة توضح امتداد الامبراطورية الرومانية.
الإمبراطورية الرومانية هي مرحلة التي تلت المرحلة الجمهورية من الحضارة الرومانية القديمة، فاتسمت بالنمط الاستبدادي في الحكم والاتساع الكبير في الأراضي المسيطر عليها في أوروبا وحول البحر المتوسط. الجمهورية الرومانية – التي سبقت الإمبراطورية – كانت قد تضعضعت ودمرت بالحروب الأهلية.
بدأ تمدد الرومان منذ عهد الجمهورية لكنه بلغ ذروته تحت حكم الإمبراطور (تراجان)، عندها بلغت مساحة الإمبراطورية 6.5 مليون كم2. انقسمت هذه الإمبراطورية في النهاية إلى إمبراطورية روما الغربية و الشرقية التي عُرفت فيما بعد بالإمبراطورية البيزنطية والتي استمرت لألف عام.
الامتداد الواسع وطول فترة البقاء من أهم عوامل عظمة هذه الإمبراطورية، إلا أنّ أهمية هذه الإمبراطورية تكمن في تأثيرها العميق على اللغة والدين والعمارة والفلسفة والقانون في الحضارة الإنسانية عامةً وفي الحضارة الغربية خاصةً والذي نراه حتى هذه اللحظة، حتى إنّ العديد يعتبرون أنّ بداية تَشكُل فكرة (أوروبا) كانت مع ظهور إمبراطورية روما الغربية.
بريطانيا العظمى
إنها الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس. مع أكثر من 33.7 مليون كم2 من الأراضي، تتربع الإمبراطورية البريطانية على عرش أكبر الإمبراطوريات مساحةً في التاريخ. ومع حكمها لأكثر من ربع سكان العالم وقيادتها للتطور العلمي والاقتصادي في التاريخ الحديث فإنّ سلطتها لم تقف عند حدودها الجغرافية بل امتدت إلى جميع أنحاء العالم وصارت واحدة من أعظم الإمبراطوريات في التاريخ، بفضل قوتها وتماسكها على مدار السنين.
تكوّنت هذه الإمبراطورية بالأساس من مقاطعات ومستعمرات ودول وقعت على اتفاقيات انتداب ووصاية لذلك لم تكن متواصلة الأراضي كسابقاتها، كما أنّ الثورات لم تهدأ فيها إلا أنها كانت أكثر الإمبراطوريات تأثيرًا في زمننا الحاضر بلا شك، كانت الحرب العالمية وخسارة الهند أكبر النكسات التي تعرضت لها الإمبراطورية والتي أدت في النهاية إلى انحسارها.
وهذه صورة لأربعة عشر دولة ماتزال تحت سيطرة بريطانيا حتى الآن.
هكذا أكون قد أوجزت جزءاً مهماً من التاريخ الإنساني الذي كانت الإمبراطوريات حجر الأساس فيه، ويبقى السؤال مطروحاً هل زالت حقبة الإمبراطوريات القديمة التي تسيطر على شعوب ودول بأسرها أم نحن نعيش عهد إمبراطوريات من نوع آخر؟ إذا كنا حقًا في عهد إمبراطوريات من نوع آخر، هل ستستطيع هذه الإمبراطوريات حفر اسمها في التاريخ وتُصبح من أعظم الإمبراطوريات في التاريخ مثل سابقاتها؟