كان الأبن الأكبر لملك السويد، الأمير شارل. فلما كان فى التاسعة من عمره توفيت والدته، وما كاد يتم الخامسة عشرة حتى اصبح كذلك يتم الأب. وتبعاً لما يقضى به القانون السويدى، فقد كان عليه أن يحمل التاج فى الثامنة عشرة، كما كان لابد أن تتولى جدته الوصاية على الحكم. إلا أن الأمير كان يأبى أن تحكمه امرأة، فبذل جهده لكى يحصل على موافقة البرلمان على تقديم سن الرشد بالنسبة له. وبالفعل فإنه لم يكد يتم الخامسة عشر حتى وضعوا التاج على رأسه.

وقد تم تتويجه فى ستوكهولم يوم 24 كانون الأول ( ديسمبر ) عام 1697. وفى اللحظة التى هم فيها كبير الأساقفة بوضع التاج على رأسه إذا بشارل الثانى عشر ينتزعه من بين يديه ويتوج نفسه بنفسه. فكان ذلك مثالاً على إرادته الفولاذية.

كانت الشهور الأولى من حكم الملك الجديد خيبة أمل للجميع، أما بالنسبة للدول الأجنبية، وبصفة خاصة تلك الدول التى كانت تطالب بالأراضى التى سبق للدولة السويدية القوية أقتطاعها. وسارع السفراء إلى إخطار حكوماتهم سراً أن ملك السويد الجديد محدود الذكاء و أنه لا يعبأ بالدولة على الإطلاق، و يقضى ايامه فى رحلات الصيد و فى اللعب و اللهو.
وكان للسويدين فىى ملكهم الرأى نفسه. ثم لم يلبث ثلاثة ملوك أقوياء، هم ملوك الدنيمارك وروسيا و بولندا، أن تحالفوا بهدف تدمير ذلك البناء السياسى و الأقليمى الضخم.
غير أنهم أخطأوا فى حساباتهم تماماً. ففى ذات يوم، و بينما كان المجلس يتهيأ لأقتراح الدخول فى مفاوضات، تجنباً للخطر الذى تتعرض له البلاد، إذا بشارل الثانى عشر الذى كان حاضراً الجلسة كعادته، و الذى ظل بمنأى عن المناقشات و ظهرت عليه دلائل الملل، إذا به يهب فجأة و يقول :
" أيها السادة، لقد أخذت على نفسى ألا أخوض قط حرباً ظالمة، ولكنى كذلك أخذت على نفسى ألا أنفض يدى من أى حرب عادلة قبل أن أنزل الهزيمة بأعدائى. لقد أتخذت قرارى. وهو أن أضرب أى دولة تتعرض لنا ".

و ارسل الملك شارل الثانى من يخبر ملك الدينمارك أنه يشن عليه الحرب لا لشئ، إلا ليرغمه على أن يقيم العدل فيعيد فوراً الدوقية التى أنتزعها من دوق هولشتاين، و إلا فإنه سيدك عاصمته بالحديد و النار.
و احس ملك الدينمارك بالسعادة، إذ وجد الفرصة مهيأة له للنجاة من الخطر بمثل هذا الثمن القليل، و بأنه يتعامل مع ملك لا يهمه إلا أن يعيد العدل إلى نصابه.
و الواقع أن شارل الثانى عشر كان لديه واحد من أقوى جيوش أوروبا، و يمتلك أقوى الأسلحة، ويضم جنوداً ذوى جسارة و شجاعة و إقدام. وكان الملك بارعاً فى رسم الخطط كما كان أول من يضرب بنفسه المثل فى أقتحام الأخطار.

وبعدما أنتهى من الدنمارك جاء دور بولندا. وفى الحرب التى دارت بينهما أظهر الملك الشاب قوة لا تقهر، ظهرت خلال حصاره لمدينة " ريغا "ظن ثم سقوطها.
ثم جاءت اللحظة التى كان عليه أن يلتقى فيها بالعدو الاكبر، القيصر بطرس ملك روسيا. وقد تقابل جيش شارل الثانى عشر، قرب " نارفا "، بالجيش الروسى الذى يفوقه بعشرة أضعاف، وهزمه، حتى أن شارل فكر عام 1707 أن يدخل بقواته الظافرة قلب العاصمة موسكو.

و بدأ الملك السويدى زحفه فى الأراضى الروسية، ولم يلبث أن وجد نفسه داخل الأراضى الشاسعة فى وقت بدت فيه طلائع شتاء من اقسى ما عرفته تلك البلاد. وقد قضى البرد على نصف جنود الجيش السويدى. وقاوم شارل، وضرب لجنوده المثل على شدة التحمل، فكان ينام على الأرض و يغطى نفسه بالأسمال، ولا طعام له إلا الطعام الذى يوزع عليهم، مما جعل الجنود يهيمون به.

وجاء الهجوم أخيراً بومقعة " بولتافا "، و فيها واجه أثنا عشر ألفاً من جيش السويد، أربعين ألفاً من الروس. وقاتل السويديون بعنف، وجرح شارل مرتين، وكان بعد كل مرة يطلب من جنوده أن يحملوه إلى الخطوط الأولى. كان يقود الزحف محمولاً على محفة، فى مقدمة جنود المشاة، من دون أن تبدو على وجهه أى بادرة للتعب أو اليأس.
و أخذت المعركة تتحول تدريجياً لكى تصبح كارثة، فكانت أول كارثة للجيش السويدى بعد سنوات من الحروب. وقد تمكن الملك من النجاة و الوقوع فى يد الأعداء، ولم يلبث أن ظهر فى " مولدافيا " فى الأرض العثمانية. وفى هذا الوقت أستطاع القيصر بطرس الأستيلاء على شريط ساحلى على خليج فنلندا.

فى عام 1718 هاجم شارل الثانى عشر النروج التى كانت تنوى غزو بلاده، إلا إنه فى بداية الحرب، و بينما كان ذات يقوم بزيارة للخنادق، إذ بقذيفة مدفع أطلقها العدو تصيبه فى رأسه فتقتله على الفور.
وهكذا مات فى السادسة و الثلاثين، ذلك الذى وصفه الكاتب الفرنسى العظيم فولتير بأنه " الرجل الفذ الذى لم تر الأرض مثيلاً له ".