رصد النجوم النابضة كشف تأثير الموجات الجاذبية عليها (جامعة كولورادو بولدر)
عثر فريق دولي من الباحثين، بإشراف مرصد أميركا الشمالية، على إشارات قوية للضوضاء التي تحدثها موجات الجاذبية في أعماق الكون. واستخدم الفريق في هذا الاكتشاف تلسكوبا بحجم المجرة مكون من مجموعة من النجوم النابضة أظهر التحليل وجود اضطرابات ضئيلة في الضوء القادم منها.
ويأمل العلماء -الذين يعملون ضمن مشروع "نانوغراف" (NANOGrav) للتعاون بين علماء الفيزياء الفلكية الأميركيين والكنديين- أن يكون هذا الإنجاز خطوة أولى نحو فهم العديد من الأسرار حول نشأة الكون وتطوره. ونشرت ورقة بحثية حول هذا الاكتشاف في عدد يناير/كانون الثاني الجاري من مجلة "أستروفيزيكل جورنال سابليمنتس" (Astrophysical Journal Supplements).
البحث عن طنين الجاذبية
ووضعت نظرية موجات الجاذبية لأول مرة من قبل ألبرت أينشتاين عام 1916، الذي أظهر أن الفضاء نسيج مرن مشوه بواسطة أجسام ضخمة ومرتبط ارتباطا وثيقا بالزمن.
عام 2015، أعلن تعاون -بين مرصد مقياس التداخل الليزري لموجات الجاذبية "ليغو" (LIGO) ومقره الولايات المتحدة ومرصد "فيرغو" VIRGO في أوروبا- عن أول اكتشاف مباشر لموجات الجاذبية كانت تنبثق من ثقبين أسودين لكل منهما كتلة أكبر بحوالي 30 مرة من الشمس، ويدور أحدهما حول الآخر.
كان هذا الحدث بمثابة انفجار عنيف حدث في وقت وجيز. على النقيض من ذلك، فإن تراكم أحداث كونية أخرى ينتج زخما ثابتا ومتواصلا من موجات الجاذبية الضخمة التي تستغرق سنوات لتمر عبر الأرض، وهي أشبه بالطنين المستمر للمحادثات في حفل مزدحم. وهذا النوع من الطنين هو ما يبحث عنه العلماء.
لكن رصد هذه الموجات لا يتم باستخدام التلسكوب مثلما هو الشأن مع النجوم والمجرات. وبدلا من ذلك، يقيس العلماء التأثيرات التي تحدثها موجات الجاذبية، وهي عبارة عن تغييرات طفيفة في الموقع الدقيق للأجرام بما في ذلك موضع الأرض نفسها. يشبه الأمر تأثير الموجة الناتجة عن إلقاء حجر في بحيرة على موقع قشة تطفو على سطحها.
النجوم النابضة أو منارات السماء تطلق موجات راديوية منتظمة تتأثر بالموجات الجاذبية (ناسا)
منارات الفضاء
لهذا الغرض اختار الباحثون في مشروع "نانوغراف" دراسة الإشارات الضوئية الصادرة عن النجوم النابضة، وفق بيان صحفي لجامعة كولورادو بولدر، University of Colorado Boulder) (لأن هذه الأجرام، التي تبدو في السماء كالمنارات، تعمل كساعات مجرية، وترسل أثناء دورانها السريع حول نفسها نبضات من موجات الراديو على فترات زمنية محددة ومنتظمة باتجاه الأرض).
غير أن موجات الجاذبية تدخل اضطرابا على هذا الانتظام، من خلال إحداث تغيرات صغيرة للغاية في الأوقات المتوقعة لإشارات النجوم النابضة التي تصل الأرض. وتشير هذه الانحرافات إلى أن موضع الأرض قد تغير قليلا.
ابتكر الباحثون لهذه الغاية مصفوفة من البيانات حول تردد الإشارات الخاصة بـ47 من أكثر النجوم النابضة ثباتا خلال 13 سنة الماضية. وتدور هذه الأجرام مئات المرات في الثانية بثبات مذهل، وهو ضروري للحصول على الدقة المطلوبة لاكتشاف موجات الجاذبية. ومن بين مجموعة النجوم النابضة -التي تمت دراستها- وجد الباحثون لدى 45 نجما منها ما يكفي من البيانات لاستخدامها في التحليل.
تراكم الموجات الجاذبية يشكل خلفية تؤثر على مواقع الأجرام (معهد كالتك)
توقيع خلفية موجة الجاذبية
اكتشف الباحثون من هذه البيانات توقيعا طيفيا مميزا لضوضاء منخفضة التردد، ولاحظوا أنه كان متشابها لدى العديد من النجوم النابضة. وهذا التوقيع هو عبارة عن تغييرات صغيرة جدا في زمن الومضات.
ورغم تأكيد مؤلفي الدراسة على أهمية الاكتشاف الذي توصلوا إليه، فإنهم يؤكدون أنه لا يمثل سوى خطوة أولى نحو الاكتشاف المباشر لتوقيع موجات الجاذبية، إذ سيتعين عليهم إيجاد نمط مميز بالإشارات الصادرة عن كل نجم نابض على حدة. فوفقا لنظرية النسبية العامة لأينشتاين، يجب أن يختلف تأثير خلفية موجة الجاذبية على توقيت النجوم النابضة باختلاف مواقعها.
وبحسب العلماء فإن الكشف عن ضوضاء الخلفية سيكون إنجازا علميا كبيرا، وسيمنحهم أدوات جديدة لدراسة كيفية اندماج الثقوب السوداء الهائلة في مراكز العديد من المجرات بمرور الزمن.
يذكر أن مشروع "نانوغراف" -للتعاون بين علماء الفيزياء الفلكية الأميركيين والكنديين- يضم مرصد أميركا الشمالية، المؤسسة الوطنية للعلوم الأميركية، جامعة كولورادو بولدر، مختبر الدفع النفاث (JPL) في جنوب كاليفورنيا.