أحد غرف متحف المعهد البابوي والتي تحتوي على مومياء فرعونية هي الأندر في فلسطين
غرب سور القدس المحتلة، تتوارى الكثير من الحكايات التي ضُرب بينها وبين المقدسيين بسور افتراضي، بعد احتلال غربي القدس عام 1948، فرغم قربهم المكاني منها؛ إلا أن وطأة التهويد الشاملة حالت دون ارتيادهم وطرقهم للعديد من المعالم، التي وُجدت قبل النكبة واستمرت، أو التي سُرقت وهودت.
ومن هذه المعالم "المعهد البابوي للكتاب المقدس"، الذي شيده الفاتيكان في القرن 19 قرب باب الخليل (غرب سور القدس القديمة) بين القنصلية الفرنسية وفندق الملك داود -حاليا-، والذي يحوي متحفا غير مطروق، يضم آثارا فريدة تعود إلى آلاف السنين قبل الميلاد.
مبنى المعهد البابوي للكتاب المقدس، الذي يتبع للفاتكيان، ويضم متحفا فريدا(الجزيرة نت)
زارت الجزيرة نت المعهد البابوي ومتحفه، والتقت بالأب داود نويهاوس، الذي يترأس المتحف، ويعرف نفسه بأنه خوري كاثوليكي ولد في جنوب أفريقيا، ويعيش في القدس منذ 43 عاما، ويقوم بتعليم الإنجيل في المعهد ومؤسسات دينية مسيحية أخرى في فلسطين ولبنان.
يحتوي متحف المعهد البابوي على موجودات أثرية من الفترة الغسولية والعصر الحجري والبرونزي وعصور أخرى
دراسة الكتاب المقدس في أرضه
يقول نويهاوس إن المعهد البابوي للكتاب المقدس كان بالأساس ديرا للرهبان التابعين للكنيسة الكاثوليكية ضمن ما يسمى "الرهبنة اليسوعية"، والتي تعد أبرز الرهبانيات الفاعلة في الكنيسة، والتي تتخذ روما مقرا رئيسا لها، أما الدير في القدس، فهو أحد فروعها، الذي يهتم بدراسة "الكتاب المقدس على الأرض المقدسة".
أوان وأدوات للطعام تعود إلى الفترة الغسولية
فور دخولك الباب الرئيس للمعهد البابوي في القدس، تستقبلك عن يمينك كنيسة صغيرة، وعن يسارك متحف يضم مقتنيات نادرة رغم صغره، وإلى الأمام قليلا مكتبة لمرتادي المعهد، كما تعلق في المدخل صورة لمؤسس الرهبنة اليسوعية في القرن 16 أغناطيوس دي لويولا، والذي زار القدس عام 1523.
أوان فخارية من العصر الحجري القديم العلوي
يتكون المعهد البابوي من 3 طوابق، تنتهي بإطلالة واسعة على البلدة القديمة وغرب سورها، وداخل هذه الطوابق يسكن طلبة أتوا من روما لإتمام الدراسات العليا في الإنجيل، وارتباطاته الميدانية بالقدس وفلسطين، معظم هؤلاء الطلبة من الرهبان والخوريين، الذين يتلقون برنامجا مكثفا، ويدرسون اللغات الأساسية للإنجيل.
عظام طفل رضيع دفن داخل جرة في الفترة الغسولية، واكتشف في موقع تليلات الغسول
اكتشافات "تليلات الغسول"
يقول رئيس المعهد نويهاوس إن رهبان الدير أجروا حفريات أثرية (شمال شرق البحر الميت) في الضفة الشرقية لنهر الأردن بين عامي 1929 و1938، ونجحوا باكتشاف موقع "تليلات الغسول"، الذي يعود إلى الحضارة الغسولية (4 آلاف سنة قبل الميلاد) ومراحل باكرة ووسطى وأخيرة للعصر الحجري النحاسي.
المختصة بالآثار عبير زيّاد تشرح الموجودات الأثرية داخل متحف المعهد البابوي
تجولنا في المتحف برفقة خبيرة الآثار عبير زيّاد، التي شرحت لنا عن مكتشفات موقع "تليلات الغسول"، مثل لوحة مكبرة لرسومات رمزية لتلك الفترة التاريخية، اكتُشفت على أرضية أحد البيوت، بالإضافة إلى عظام لرضيع مدفون في جرة، كعادة لدفن الأطفال آنذاك، إلى جانب جرار وأوانٍ فخارية، وقدور للطبخ، وأدوات طعام، وآثار أخرى.
أدوات زينة فرعونية من مصر داخل المعهد البابوي
مومياء نادرة
احتوى المتحف أيضا، على آثار مصرية تعود للحضارة الفرعونية، كان أبرزها مومياء جُلبت من مصر إلى القدس، كأثر يندر وجوده في متاحف فلسطين المحتلة، حيث حافظت المومياء على هيكلها وألوانها وغطائها، كما ضمت خزائن المتحف تماثيل فرعونية بوضعيات مختلفة من النحاس والحجر من معبد حتشبسوت المصري، إلى جانب مجسمات متفاوتة لجعران فرعوني (خنفساء)، وكتابات وأختام فرعونية على الصخر والخشب.
إبر للخياطة من عظام الحيوانات من موقع تليلات
ومن العصر الحجري النحاسي والعصر الحجري القديم العلوي (الباليوليتيك) حضرت آثار كأدوات زينة من العظام والصدف، ومباخر عطرية وأدوات للتزيين، ورحى وأجران للطحن والجرش، إلى جانب إبر للخياطة ورؤوس فؤوس ومكاشط وأسلحة حادة صغيرة.
تماثيل فرعونية بوضعيات مختلفة من النحاس والحجر داخل متحف المعهد البابوي
برزت في المتحف أيضا تماثيل لآلهة عبدها قديما سكان العراق وبلاد الشام كالإله "بعل"، بالإضافة إلى كميات كبيرة من الأسرجة والمصابيح التي تعود إلى فترات متفاوتة كالعصر البرونزي واليوناني والبيزنطي والإسلامي، كما ضم المتحف قناديل وقارورات زجاجية وفخارية للعطور والمكاحل تعود إلى الفترات الأموية والعباسية والعثمانية.