تتميز النقوش بطابع بدائي بلون المغرة الحمراء والصفراء (مواقع التواصل)
تعتبر الرسوم الموجودة في الكهوف القديمة من أقدم أنواع الفنون الجدارية في العالم. ويقول بيكاسو عن الرسوم الموجودة في كهوف ألتاميرا الشهيرة الموجودة شمالي إسبانيا "بعد ألتاميرا كل شيء انحطاط".
لم يكن بيكاسو يمزح. إذ يعتبر الفن داخل أغلب الكهوف القديمة التي تنتشر في أماكن مختلفة من العالم، من بين أجمل الأعمال الفنية على الإطلاق، على الرغم من أن نقوشها رسمت منذ عشرات الآلاف من السنين.
في الأسبوع الماضي انتشرت صور رائعة لنقوش واحد من الكهوف المكتشفة حديثا في أميركا الجنوبية. يوجد بالكهف لوحات صخرية ونقوش يتجاوز عمرها 12 ألف عام، توجد على الحافة الشمالية لنهر الأمازون بكولومبيا.
اكتشفت تلك النقوش بسبب أعمال التنقيب التي امتدت لسنوات مضت، وتوّجت بذلك الاكتشاف الأخير، وهو عبارة عن 8 أميال من اللوحات الجدارية مختلفة الأحجام، تتراوح بين اللونين الأصفر والأحمر، تصور الأسماك والسلاحف والسحالي والطيور، بالإضافة إلى أشخاص يرقصون رقصات طقسية ويمسكون بأيدي بعضهم بعضا ويرتدون أقنعة على وجوههم.
بالنسبة لشعب الأمازون، فإن النباتات والحيوانات، مثلهم مثل البشر، لديها أرواح، تتواصل وتتفاعل مع البشر بطرق ودودة أو عدائية من خلال الطقوس والممارسات الشامانية المصورة في اللوحات الصخرية.
يجسد هذا الاكتشاف الاعتقاد الراسخ لدى بعض علماء الأنثروبولوجيا بأن هناك الكثير من الحيوات القديمة الخفية، التي لم تستكشف بعد وما زالت مخبأة في باطن الأرض ولم يصل إليها العلم.
رسوم الكهوف في غابات الأمازون عبارة عن بصمات أياد بشرية (مواقع التواصل)
نقوش بدائية
تتميز النقوش بطابع بدائي بلون المغرة الحمراء والصفراء، وهي عبارة عن بصمات أياد بشرية، وصور للحيوانات والبشر. يُعتقد أن الأشخاص الذين صنعوا هذه الأعمال الفنية والنقوش كانوا من بين أوائل البشر الذين احتلوا المنطقة بعد الهجرات المختلفة عبر ما يعرف الآن بمضيق بيرينغ منذ حوالي 25 ألف عام.
قادت الدراسات الأولية للرموز الأيقونية الموجودة على جدران الكهف إلى التكهن بالحيوانات التي عاشت في تلك المنطقة، ومن بينها الغزلان والتماسيح والخفافيش والثعابين والسلاحف، إلى جانب بعض الحيوانات الضخمة المنقرضة منذ زمن طويل مثل الخيول التي عاشت في العصر الجليدي وحيوان الكسلان العملاق.
رسوم تسرد قصصا
هذا الإبداع البشري القديم بكل ما يحمله من فن فطري، وهذا التصوير غير العادي للأنواع المنقرضة، أمر يفوق التخيّل. لكن الدراسات الأثرية الجارية في هذا المجال قد تبدأ أيضا في سرد قصة مهمة عن البيئة، وكيف تفاعل البشر مع الأجواء القاسية لغابات الأمازون المطيرة.
اكتشف علماء الآثار أدوات حجرية وبقايا حيوانات ونباتات، كلها تضيف وتوضح طريقة الحياة في هذه المنطقة منذ آلاف السنين، بالإضافة إلى طرح تساؤلات عدة، أهمها هو كيف انقرضت الحيوانات الضخمة؟ وهل نتج عن تغير المناخ، أم عن طريق مطاردة البشر، أم بسبب مجموعة من العوامل المجتمعة؟
مع كل الغموض الذي ما زال يحيط بالموقع الأثري، فإن الرسوم تعد دليلا على وجود العديد من أنواع النباتات المفيدة، بما في ذلك 10 أنواع من النخيل.
يعتقد الباحثون أن هؤلاء البشر الذين عاشوا في تلك البقعة قديما، حاولوا التكيف مع مناخ الغابة القاسي، كما حاولوا ترويضه لتقليل تلك القسوة، حيث حاولوا تسميد التربة وزراعة أنواع من النباتات والأشجار النافعة مثل الجوز البرازيلي والشوكولاتة، بالإضافة إلى تطهير الأرض لتناسب زراعة تلك المحاصيل وتسهل الحياة القاسية بالغابة.