محمد مجيد الدليمي
كاتب عراقي
تعدُ منطقة باب الشيخ من المناطق البغدادية القديمة،حظيت بأهتمام المؤرخين والباحثين لما لها من اهمية دينية واجتماعية وتاريخية ،حيث مرقد الشيخ عبد القادر الكيلاني (قدس الله سره) كما انها انجبت نخبة متميزة من كبار العلماء والمثقفين والادباء والفنانين والسياسيين والعسكريين،اضافة إلى انها كانت تضم في ارضها بعض المعالم الاثرية التاريخية منها (طاك باب الشيخ) الذي بني قديماً على شكل نفق تعلوه بناية قديمة يبلغ طوله نحو عشرة امتار وعرضه خمسة امتار، يوصل هذا الطاك محلة فضوة عرب بشارع الكيلاني الذي يربط شارع الكفاح بشارع الشيخ عمر.كاتب هذه السطور ولد وعاش طفولته وصباه في محلة فضوة عرب القريبة من هذا الطاك ويتذكر القصص والحكايات الشعبية الخرافية التي حكيت عنه والتي على اثرها جعلت البعض من اهالي منطقة باب الشيخ (الشيخلية) يخشون المرور من هذا الطاك وقت الليل ، ظناً منهم بان هذا المكان كما تشير إليه تلك القصص والحكايات المحيوكة مسكوناً بالجن والطنطل حيث يخرجون في الظلام الدامس تحت الطاك ويعملون اصواتا وحركات غريبة وفي حقيقة الامر فان مصدر هذه الاصوات والحركات كانت تصدر من بعض الفقراء العجزة الذين لا ماؤى لهم ينامون فه ليلاً خاصة ايام فصل الشتاء البارد وكذلك قيام بعض السكارى من اهل المنطقة او من المحلات القريبة، بحركات واصوات تخيف السامعين لها من الناس المارين في هذا الطاك.قبيل احتلال القوات الامريكية لبغداد عام 2003 قامت امانة العاصمة انذاك بازالة هذا الطاك ، ضمن حملة اعمار بعض المناطق القديمة في بغداد ، حيث اقتضى العمل توسيع شارع الكيلاني ولكون موقع الطاك كان ضمن مساحة الشارع عليه قرروا ازالته متجاهلين قيمته الاثرية والتاريخية والتراثية.وعن القيمة الاثرية والتاريخية لهذا الطاك حدثنا الدكتور الراحل طارق مظلوم مدير الاثار العام السابق ،خلال لقاء جمعني معه في مقهى الشابندر قبل اربع سنوات ،قائلاً:يعد طاك باب الشيخ مكانا اثريا وتاريخياً مهما يدخل ضمن معالم بغداد القديمة يقدر عمره اكثر من خمسمائة سنة وان هذا المكان الاثري له قيمة تاريخية علمية تحكي مرحلة من مراحل تاريخ بغداد القديمة.ويشير مظلوم انه في احدى سنوات الثمانينيات من القرن الماضي وعندما كان سمير الشيخلي امينا للعاصمة كنت مديراً عاما للاثار وكانت هناك في ذلك الوقت حملة اعمار واسعة تجري في بعض مناطق وسط بغداد والتي شمل قسم منها منطقة باب الشيخ حيث تم ازالة جزء كبير من البيوت القديمة في محلة فضوة عرب لفتح وتوسيع الشوارع انبأني اهالي باب الشيخ بان اليات امانة العاصمة توجهت الان لازالة طاك باب الشيخ ولقد افزعني الخبر واتصلت فوراً برئاسة الجمهورية انذاك واخبرتهم بذلك وبأهمية الطاك الاثرية وطلبت ايقاف ازالته حيث رفع الموضوع إلى رئيس الدولة الذي امر فوراً بايقاف الهدم والازالة وابقائه على حالته كونه معلما اثريا وشاهداً تاريخياً من شواهد بغداد.ويضيف مظلوم بانه وبعد مرور سنوات على ذلك انتقلت في عملي من دائرة الاثار وتفرغت للتدريس في الجامعة المستنصرية اهمل الموضوع وتجاهلوا قيمة واهمية الطاك وباشروا بازالته ومحو اثره وبذلك فقدنا مكاناً اثرياً مهماً يرتبط بوجدان البغداديين وخاصة اهالي باب الشيخ فلهم معه حكايات متنوعة طريفة تذكرهم بأيام الطفولة والصبا ويشمون فيها عبق الماضي الجميل.ولاهمية طاك باب الشيخ الذي ازيل وضاعت قيمته فان البعض من الشيخلية يناشدون من خلال صفحة ذاكرة عراقية المؤرخين والباحثين المعروفين امثال الدكتور عماد عبد السلام رؤوف والدكتور حسين أمين والباحث جميل الطائي صاحب كتاب محلات بغداد القديمة إن يكتبوا عن هذا الطاك الاثري عن ما قيل وكتب عنه لانه يمثل صورة لماض توارى يحنون إليه ويشتاقون لايامه ـ بعدما ذاقوا مرارة الحاضر.