شرح قضية التوسل بالنبي محمد وعترته
وهل يجوز الاستغاثة بغير الله تعالى ؟
وهل يجوز قول يا محمد يا علي يا فاطمة يا حسن يا حسين ...؟
*
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ .
قَالَ تَعَالَى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ - [سُّورَةُ النِّسَاءِ : 59.]
هذا يعني أنّ من أطاع او استغاث بالرسول فقد اطاع الله .
قَالَ تَعَالَى : ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ - [سُّورَةُ النِّسَاءِ : 80.]
ومن اطاع أيضاً او استغاث بأولياء الأمور الذين هم الأئمة (عليهم السلام) من عترة النبي محمد (صَلّى الله عليهم وسلّم) فقد أطاع الله أيضاً . حيث أنّه لا يجوز أبداً أن يوجب الله طاعة أحد على الإطلاق إلّا من ثبتت عصمته وعلم أنّ باطنه كظاهره وأمن منه الغلط والأمر بالقبيح . وقد يقول قائل أنّ الله تعالى لم يذكر الرجوع إلى ولي الأمر عند الاختلاف ، فنجيبه : قَالَ تَعَالَى : ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ﴾ - [سُّورَةُ النِّسَاءِ : 83.]
قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ) :
فَرَضَ تَعَالَى عَلَى الْأُمَّةِ طَاعَةَ وُلَاةِ أَمْرِهِ الْقُوَّامِ لِدِينِهِ ، كَمَا فَرَضَ عَلَيْهِمْ طَاعَةَ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) فَقَالَ : ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ . ثُمَّ بَيْنَ مَحَلَّ وُلَاةِ أَمْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِتَأْوِيلِ كِتَابِهِ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَ : ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ ، وَعَجْزَ كُلِّ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ عَنْ مَعْرِفَةِ تَأْوِيلِ كِتَابِهِ غَيْرِهِمْ ؛ لِأَنَّهُمْ هُمُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ الْمَأْمُونُونَ عَلَى تَأْوِيلِ التَّنْزِيلِ . (البحار : ج90, ص23.)
وَعَنْ الْإِمَامِ الصَّادِقِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ :
﴿أَطِيعُوا اللّٰهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ ؟
قَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : أُولِي الْعَقْلِ وَالْعِلْمِ .
فَقِيلَ : أَخَاصٌّ أَوْ عَامٌّ ؟ قَالَ خَاصٌّ لَنَا .
المصدر : (الوسائل : ج27، ص136.)
وَعَنْ الْإِمَامِ الْكَاظِمِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ :
﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ﴾ ؟
قَالَ : يَعْنِي مَنِ اتَّخَذَ دِينَهُ رَأْيَهُ بِغَيْرِ إِمَامٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْهُدَى .
المصدر : (الكافي : ج1، ص374.)
-------
إضافةً لذلك ، أنّ النبي محمد وعترته أحياءٌ بنص القرآن الكريم :
قَالَ تَعَالَى : ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ - [سُّورَةُ الْبَقَرَةِ : 154.]
الذين ما مضى منهم أحدٌ إلّا مسمومٌ أو مقتول .
أما بالنسبة لهذه الآية : ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ﴾ - [سُّورَةُ الزُّمَرِ : 30.]
فالخطاب وإن كان موجهاً للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلّا أنّ المقصود منه الأُمة أي المسلمين ؛ لأنّ القرآن الكريم كتاب تذكرة للمتقين : ﴿وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ﴾ - [سُّورَةُ الْحَاقَّةِ : 48.] وَقَالَ تَعَالَى : ﴿كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ - [سُّورَةُ الْأَعْرَافِ : 2.]
وَعَنْ الْإِمَامِ الصَّادِقِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ :
إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ نَبِيَّهُ بِإِيَّاكِ أَعْنِي وَاسْمَعِي يَا جَارَهْ .
المصدر : (البحار : ج17، ص83.)
لقد ورد إنّ الموتى يسمعون حتّى لو كانوا كفّاراً فكيف بالمسلم المؤمن ؟! فقد ورد انّ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أشرف على قليب بدر وفيه جثث أقطاب المشركين ، فقال : « قد وجدنا ما وعدنا ربّنا حقّاً فهل وجدتم ما وعد ربّكم حقّاً » . اعترض عليه بعض الصحابة وقالوا : أتتكلّم مع الموتى ؟ فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : انّهم أسمع منكم وأبصر .
والسرّ في ذلك انّ الروح تبقى حيّة بعد الموت وانفصالها عن الجسد .
والقرآن يقول : ﴿فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾ - [سُّورَةُ ق : 22.]
-------
علاوةً على ذلك ، أنّ النبي محمد وعترته يرون ويطلعون على أعمال المسلمين :
قَالَ تَعَالَى : ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾- [سُّورَةُ التَّوْبَةِ : 105.]
1- عَنْ الْإِمَامِ الْبَاقِرِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَنَّهُ ذَكَرَ هَذِهِ الْآيَةَ :
﴿فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ .
قَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : هُوَ وَاللَّهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ) .
2- عَنْ الْإِمَامِ الصَّادِقِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ :
﴿اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ ؟
قَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : هُمُ الْأَئِمَّةُ (عَلَيْهِمْ السَّلَامُ) .
وَعَنْهُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ :
تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) ،
أَعْمَالُ الْعِبَادِ كُلَّ صَبَاحٍ أَبْرَارُهَا وَفُجَّارُهَا فَاحْذَرُوهَا وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى :
﴿اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ﴾ .
وَعَنْهُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ :
مَا لَكُمْ تَسُوءُونَ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) ؟
فَقَيلَ لَهُ : كَيْفَ نَسُوؤُهُ ؟
فَقَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) :
أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّ أَعْمَالَكُمْ تُعْرَضُ عَلَيْهِ فَإِذَا رَأَى فِيهَا مَعْصِيَةً سَاءَهُ ذَلِكَ ؟
فَلَا تَسُوءُوا رَسُولَ اللَّهِ وَسُرُّوهُ .
3- عَنْ الْإِمَامِ الرِّضَا (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ :
إِنَّ الْأَعْمَالَ تُعْرَضُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) أَبْرَارَهَا وَفُجَّارَهَا .
المصدر : (الكافي : ج1، ص219.)
فالله تعالى يرى ويطلع على أعمالنا والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً يطلع على أعمالنا وكذلك الأئمة (عليهم السلام) هم المؤمنون الذين يطلعون على أعمالنا . وكذلك الملائكة الكرام الكاتبين يعلمون ويطلعون على اعمالنا . بل حتى إبليس اللعين وجنوده يرون أبناء آدم من حيث لا نراهم : قَالَ تَعَالَى : ﴿إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ﴾ - [سُّورَةُ الْأَعْرَافِ : 27.]
*
المؤمن يطلب العون من محمّد أو علي والأئمّة الطاهرين عليهم السّلام ، ويتوسّل بهما إلى الله تعالى الذي أمرنا بابتغاء الوسيلة إليه :
قَالَ تَعَالَى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾ - [سُّورَةُ الْمَائِدَةِ : 35.]
وَقَالَ تَعَالَى : ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ﴾ - [سُّورَةُ الْإِسْرَاءِ : 57.]
وفي الحقيقة تكون كلمة (يا محمّد ، يا علي) أو (يا فاطمة يا زهراء ، يا زينب) أو (يا حسن ، يا حسين) أو (يا مهدي) ... مستبطناً لكلمة (يا الله) ، وكما أسلفنا سابقًا أنهّ من أطاعهم فقد أطاع الله تعالى ، والله يفعل ما يشاء ويقضي حوائجنا كرامةً وحُبّاً لهم . وهذا ليس مخالفاً للإخلاص في الدعاء والعبادة ولا يكون من قبيل الشرك بل هو عين التوحيد ؛ لأنّ من يتوسّل بالنبي وعترته (صلّى الله عليهم وسلّم) لا يرى لهم حول ولا قوّة إلّا بالله تعالى ، فالخطاب وإن كان متوجّهاً إليهم في الظاهر فيقول مثلاً (يا محمّد) في الظاهر لكنّه واقعاً يدعوا الله تعالى في الحقيقة ؛ لأنّ الله تعالى أبى ان يجري الأشياء إلّا بأسبابها ، وقد تكون الأسباب تكوينيّة ، وقد تكون فعل انسان كالنبي أو الإمام ، قَالَ تَعَالَى : ﴿وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ - [سُّورَةُ التَّوْبَةِ : 74.] فالله يغني والرسول يغني ، لكن الفرق انّ الله يغني بذاته وعلى نحو الاستقلال ، أمّا النبي فهو يغني بإذن الله وحوّله وقوّته وإرادته .
فالصحيح هو انّ الله تعالى مسبّب الأسباب وعلّة العلل ولا مؤثّر في الوجود إلّا الله تعالى غاية الأمر ، أبى الله تعالى إلّا أن يجري الأمور بأسبابها ، فحينما نطلب العون من السبب التكويني أو السبب العيني ففي الحقيقة نطلب من الله تعالى الذي هو مسبّب الأسباب ، فالله تعالى أراد أن يبيّن ويوضح للأمّة مقام رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومنزلته الشريفة ، فأمر الناس بالتوجّه إليه وجعله واسطة بينه وبين خلقه ليقضي حوائجهم ويغفر لهم ذنوبهم ؛ قَالَ تَعَالَى : ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ - [سُّورَةُ النِّسَاءِ : 64.] ، فالمسلم كان بإمكانه أن يستغفر بنفسه ويطلب المغفرة من الله تعالى ، لكن الله أمره أن يأتي إلى النبي ويطلب منه الإستغفار له ، كما انّ المسلمين كانوا يتمكّنون من الدعاء والاستسقاء بأنفسهم ، لكنّ الله تعالى أمرهم بالتوسّل إلى النبي وجعله واسطة بينهم وبين الله تعالى لينزل عليهم المطر .
{وقد ورد في صحيح البخاري - كتاب الاستسقاء - باب سوآل الناس الامام الاستسقاء إذا قحطوا - الجزء : ( 2 ) - رقم الصفحة : ( 15 / 16 ) - 964 - حدثنا : الحسن بن محمد ، قال : حدثنا : محمد بن عبد الله الأنصاري ، قال : حدثني : أبي عبد الله بن المثنى ، عن ثمامة بن عبد الله بن أنس ، عن أنس : أن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب ، فقال : اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا (ص) فتسقينا ، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا ، قال : فيسقون.}
فهل كان عمر مشركاً حيث طلب من العبّاس ان يدعو الله لأجل الإستسقاء ؟! كما ورد أنّ السماء لم تمطر على عهد عمر بن الخطّاب فوقع الناس في شدّة وضيق فجاؤوا إلى عائشة وشكوا إليها ، فأمرت أن يفتح كوّة على قبر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بحيث يقع القبر تحت السماء ، فلمّا فعلوا ذلك مطرت السماء .
-------
أما بالنسبة لقوله تعالى : ﴿فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ - [سُّورَةُ الْجِنِّ : 18.] ، أو قوله : ﴿قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ - [سُّورَةُ الْأَنْعَامِ : 56.] ، يراد به عبادة غير الله ، لا الطلب من غير الله ؛ فليس كلّ دعاء وطلب عبادة ، وإلّا تكون قد أشركت إذا طلبت شيئاً من أحد ؛ فالآيات ناظرة إلى قسم خاصّ من الدعاء ، وهو طلب الحاجة من غير الله تعالى ، بنحو يراه الداعي انه مستقل في ذاته ، ويمكنه ان يفعل شيئاً بدون مشيئة الله وحوله وقوّته ؛ فإنّ هذا هو الشرك ، أمّا الطلب من شخص مع العلم بأنّه لا حول ولا قوّة له إلّا بالله ، وأنّ الله هو الفاعل لما يشاء وهو مسبّب الأسباب فلا مانع منه أبداً .
ولو كنت مريضاً فاستعملت الدواء ، هل تصير مشركاً بذلك لأنّك دعوت غير الله واستعنت بغير الله ؟! أم انّك تشرب الدواء ، لانّ الله قد جعل فيه خاصية الشفاء ، فهو الشافي في الحقيقة والدواء وسيلة ولولا ارادة الله تعالى لم ينفع الدواء أصلاً والطبيب انّما هو وسيلة وآلة . أمّا لو راجعت الطبيب وترى أنّ الطبيب هو الشافي الوحيد الذي ينجيك فهذا الإلحاد بعينه .
-------
يتبين أنّه من حق المؤمن أن يستعين بكل القوى الروحيّة والماديّة (الوسائل والمسببات) ولا توجد أدنى مشكلة في ذلك مادامت هذه الاستعانة ليست بشيء محرمٍ ، وقد استعان الأنبياء بأسباب طبيعية أورثت المعجزات كاستعانة نبي الله يوسف (عليه السلام) بقميصة في تطبيب عين أبيه يعقوب (عليه السلام) :
قَالَ تَعَالَى : ﴿اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ - [سُّورَةُ يُوسُفَ : 93.]
ومن جميع هذه الآيات وغيرها يستفاد أنّ الاستغاثة بأولياء الله والذين أكرمهم الله تعالى وجعلهم وسائط بينه وبين خلقه في الحقيقة نفس التوكّل على الله والاستعانة منه والاستغاثة به ، فإنّ الله تعالى أحبّ ان يتوسّل المؤمنون اليه بهؤلاء لكي يعرف الناس مقامهم ومنزلتهم . قال الله تعالى في قصّة إخوة يوسف : ﴿قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ﴾ - [سُّورَةُ يُوسُفَ : 97.] ، وقد كان أبوهم يعقوب من الأنبياء ومع ذلك لم ينكر عليهم ولم يقل لهم أبوهم يعقوب طلبكم هذا شرك ولم يقل لهم استغفروا الله بأنفسكم ولا تطلبوا منّي الاستغفار لكم ، وانّما قرّرهم على ذلك ووعدهم بالاستغفار لهم ، ﴿قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ - [سُّورَةُ يُوسُفَ : 98.]
-------
ولقد كانت شعارات المسلمين في الحروب هي : ("يا محمداه" أو "وا محمداه") . أيضاً هناك روايات يتوسّل فيها الأئمّة (عليهم السلام) بالنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) ، وقد ورد انّ الإمام علي الهادي (عليه السلام) مَرِضَ مرضاً شديداً ، فطلب من بعض أصحابه ان يذهب من سامراء الى كربلاء ويدعو لشفائه تحت القبّة الشريفة للإمام الحسين (عليه السلام) ، ولما اعترضوا عليه بأنّك امام معصوم وحجّة من الله تعالى فلا حاجة لك الى التوسّل بقبر الحسين (عليه السلام) فأجاب : انّ لله تعالى أمكنة يحبّ ان يُدعى فيها ويستجيب دعاء من دعا فيها .
وكذلك ورد انّ الإمام الباقر (عليه السلام) لما اشتدّ به المرض كان يقول : « يا فاطمة » .
رَوَى زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ (رَحِمَهُ اللَّهُ) عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) قَالَ :
انْهَزَمَ النَّاسُ يَوْمَ أُحُدٍ إِلَّا عَلِيٌّ وَحْدَهُ .
فَقُلْتُ : إِنَّ ثُبُوتَ عَلِيٍّ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ لَعَجَبٌ !!!
قَالَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) : إِنْ تَعَجَّبْتَ مِنْهُ فَقَدْ تَعَجَّبَتِ الْمَلَائِكَةُ .
أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ جَبْرَئِيلَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَ هُوَ يَعْرُجُ إِلَى السَّمَاءِ :
﴿لَا سَيْفَ إِلَّا ذُو الْفَقَارِ وَ لَا فَتَى إِلَّا عَلِيٌّ﴾ .
وَعَنْ عِكْرِمَةَ (رَحِمَهُ اللَّهُ) عَنْ عَلِيٍّ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) قَالَ :
قَالَ لِيَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) يَوْمَ أُحُدٍ :
أَمَا تَسْمَعُ مَدِيحَكَ فِي السَّمَاءِ ؟ إِنَّ مَلَكاً اسْمُهُ رِضْوَانُ يُنَادِي :
﴿لَا سَيْفَ إِلَّا ذُو الْفَقَارِ وَ لَا فَتَى إِلَّا عَلِيٌّ﴾ .
وَيُقَالُ إِنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) نُودِيَ فِي هَذَا الْيَوْمِ :
نَادِ عَلِيّاً مَظْهَرَ الْعَجَائِبِ * * * تَجِدْهُ عَوْناً لَكَ فِي النَّوَائِبِ
كُلُّ غَمٍّ وَ هَمٍّ سَيَنْجَلِي * * * بِوَلَايَتِكَ يَا عَلِيُّ يَا عَلِيُّ يَا عَلِيُّ
المصدر : (البحار : ج20، ص73.)
*
بعض الأدلة والروايات :
1- أحمد بن حنبل - مسند الامام أحمد بن حنبل - فضائل الصحابة - فضائل أبي الفضل العباس بن عبد المطلب عم رسول الله (ص) - الجزء : ( 2 ) - رقم الصفحة : ( 928 ) - 1777 - حدثنا : عبد الله ، قال : قرأت على أبي ، أبو معاوية ، قال : نا : عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الله بن عمر ، عن ، نافع ، قال : خرج عمر عام الرمادة بالعباس بن عبد المطلب يستسقي به ، فقال : جئناك بعم نبينا فاسقنا ، فسقوا.
2- أحمد بن حنبل - مسند الامام أحمد بن حنبل - مسند الشاميين - حديث عثمان بن حنيف (ر) - الجزء : ( 4 ) - رقم الصفحة : ( 138 ) - 16789 - حدثنا : عثمان بن عمر ، أخبرنا : شعبة ، عن أبي جعفر ، قال : سمعت عمارة بن خزيمة يحدث ، عن عثمان بن حنيف : أن رجلا ضرير البصر أتى النبي (ص) ، فقال : ادع الله أن يعافيني ، قال : إن شئت دعوت لك وإن شئت أخرت ذاك فهو خير ، فقال : ادعه فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه فيصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء : اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة ، يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه فتقضي لي اللهم شفعه في.
3- الحاكم النيسابوري - المستدرك على الصحيحين - كتاب تواريخ المتقدمين - ومن كتاب آيات رسول الله (ص) التي في دلائل النبوة - استغفار آدم (ع) بحق محمد (ص) - الجزء : ( 2 ) - رقم الصفحة : ( 615 ) : 4286 - حدثنا : أبو سعيد عمرو بن محمد بن منصور العدل ، ثنا : أبو الحسن محمد بن اسحاق بن ابراهيم الحنظلي ، ثنا : أبو الحارث عبد الله بن مسلم الفهري ، ثنا : إسماعيل بن مسلمة ، أنبأ : عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن جده ، عن عمر ابن الخطاب (ر) ، قال : قال رسول الله (ص) : لما اقترف آدم الخطيئة ، قال : يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي ، فقال الله : يا آدم وكيف عرفت محمدا ولم أخلقه ، قال : يا رب لأنك لما خلقتني بيدك ونفخت في من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا لا إله الا الله محمد رسول الله فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك الا أحب الخلق إليك ، فقال الله : صدقت يا آدم إنه لأحب الخلق إلي ادعني بحقه فقد غفرت لك ولولا محمد ما خلقتك ، هذا حديث صحيح الاسناد ، وهو أول حديث ذكرته لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم في هذا الكتاب.
4- الدارمي - سنن الدارمي - المقدمة - باب ما أكرم الله تعالى نبيه (ص) بعد موته - الجزء : ( 1 ) - رقم الصفحة : ( 44 ) - 92 - حدثنا : أبو النعمان ، حدثنا : سعيد بن زيد ، حدثنا : عمرو بن مالك النكري ، حدثنا : أبو الجوزاء أوس بن عبد الله ، قال : قحط أهل المدينة قحطا شديدا فشكوا إلى عائشة ، فقالت : انظروا قبر النبي (ص) فاجعلوا منه كوى إلى السماء حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف ، قال : ففعلوا فمطرنا مطرا حتى نبت العشب وسمنت الابل حتى تفتقت من الشحم فسمي عام الفتق.
5- ابن تيمية - مجموع الفتاوي - العقيدة - كتاب توحيد الألوهية - رسالة في التوسل والوسيلة - فتوى شيخ الإسلام وهو بمصر سنة 711 ه في التوسل بالنبي - العبادات مبناها على التوقيف - الجزء : ( 1 ) - رقم الصفحة : ( 323 ) - الحاشية : 5
- .... وقد روى الترمذي حديثا صحيحا : عن النبي (ص) أنه علم رجلا أن يدعو ، فيقول : اللهم إني أسألك وأتوسل إليك بنبيك محمد نبي الرحمة ، يا محمد يا رسول الله : إني أتوسل بك إلى ربي في حاجتي ليقضيها لي اللهم شفعه في ، وروى النسائي نحو هذا الدعاء.
- .... وفي الترمذي ، وابن ماجه ، عن عثمان بن العتبية : أن رجلا ضريرا أتى النبي (ص) ، فقال : ادع الله أن يعافيني ، فقال : إن شئت دعوت وإن شئت صبرت فهو خير لك ، فقال : فادعه ، فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء ، اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا رسول الله يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى اللهم فشفعه في ، قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح.
- .... ورواه النسائي ، عن عثمان بن العتبية ولفظه : أن رجلا أعمى ، قال : يا رسول الله ادع الله أن يكشف لي عن بصري ، قال فانطلق فتوضأ ثم صل ركعتين ، ثم قل : اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي أن يكشف عن بصري اللهم فشفعه في ، قال : فرجع وقد كشف الله عن بصره.