يَخْتَارُني الإيقاعُ, يَشْرَقُ بي
أنا رَجْعْ الكمان, ولستُ عازِفَهُ
أنا في حضرة الذكرى
صدى الأشياء تنطقُ بي
فأنطقُ...
كُلَّما أصغيتُ للحجرِ استمعتُ إلى
هديل يَمَامَةٍ بيضاءَ
تشهَق بي:
أَخي! أنا أُخْتُكَ الصُّغْرى,
فأَذرف باسمها دَمْعَ الكلامِ
وكُلَّما أَبْصَرْتُ جذْعَ الزّنْزَلخْتِ
على الطريق إلى الغمامِ،
سمعتُ قلبَ الأُمِّ
يخفقُ بي:
أَنا اُمرأة مُطَلَّقَةٌ,
فألعن باسمها زِيزَ الظلامِ
وكُلَّما شاهَدْتُ مراُةً على قمرٍ
رأيتُ الحبّ شيطاناً
يُحَمْلقُ بي:
أنا ما زِلْتُ موجوداً
ولكن لن تعود كما تركتُكَ
لن تعود, ولن أَعودَ
فيكملُ الإيقاعُ دَوْرَتَهُ
ويَشرَقُ بي..
لِيَ حِكْمْةُ المحكوم بالإعدامِ:
لا أشياءَ أملكُها لتملكني,
كتبتُ وصيَّتي بدمي:
((ثِقُوا بالماء يا سُكَّانَ أُغنيتي!))
وَنْمتُ مُضَرّجاً ومُتَوَّجاً بغدي...
حَلِمْتُ بأنَّ قلب الأرض أكبرُ
من خريطتها,
وأَوضحُ من مراياها وَمشْنَقَتي.
وَهمْتُ بغيمةٍ بيضاء تأخذني
إلى أَعلى
كأنني هُدْهُدٌ, والريحُ أَجنحتي.
وعند الفجر, أَيقظني
نداء الحارس الليليِّ
من حُلْمي ومن لغتي:
ستحيا مِيْتَةً أخرى,
فَعَدِّلْ في وصيتِّكَ الأخيرةِ,
قد تأجَّل موعدُ الإعدام ثانيةً
سألت: إلى متى؟
قال: انتظر لتموت أكثَرَ
قُلْتُ: لا أشياء أملكها لتملكني
كتبتُ وصيَّتي بدمي:
((ثِقُوا بالماء
يا سُكَّان أغنيتي!))
لن تعود، ولن أَعودَ | محمود درويش