أنا لا أُحبُّكِ
كَمْ أُحبُّكِ ’ كم أُحبُّكِ، كَمْ سَنَهْ
أَعطيتني وأَخذتِ عمري. كَمْ سَنَهْ
وأَنا أُسمِّيكِ الوداعَ، ولا أُودِّع غير نفسي . كم سَنَهْ
لم تذكري قرطاجَ؟
هل كنا هواءَ مالحاً كي تفتحي رئتيكِ للماضي,
وتبني هيكلَ القدسِ القديمةِ. كَمْ سَنَهْ
وعدُوْكِ باللغةِ الجديدةِ واستعادوا الميتين مع الجريمةِ
هل أَنا أَلِفٌ, وباءُ، للكتابِةَ أَمْ لتفجير الهياكلِ؟
كَمْ سَنَهْ
كنا معاً طَوْقَ النجاةِ لقارَّةٍ محمولةٍ فوق السرابِ,
ودفتر الاعراب؟
كَمْ عَرَبٌ أَتَوْك ليصبحوا غَرْباً
وكَمْ غَرْبٌ أَتاكِ ليدخلَ الاسلامَ من الصلاة على النبيِّ,
وسُنَّةِ النفطِ المُقَدّسِ؟ كَمْ سَنَة
وأنا أَصدِقُ أُن لي أُمماً ستتبعني
وأنكِ تكذبين على الطبيعة و المسدَّس ’ كَمْ سَنَهْ !
بيروت – منتصف اللغهْ
بيروت – ومضةُ شهوتينْ
بيروت – ما قال الفتى لفتاتِهِ
والبحرُ يسمعُ, أَو يوزِّعُ صوتَهُ بين اليدينْ.
أنا لا لا أَحبكِ
غمَسي بدمي زهورَكِ وانثريها
حول طائرةٍ تطاردُ عاشقينْ
والبحرُ يسمعُ, أَو يوزِّع صوتَهُ بين اليدينْ.
وأَنا أُحبكِ
غَمِّسي بدمي زهوركِ وانثريها
حول طائرةٍ تطاردني وتسمع ما يقول البحرُ لي
بيروت لا تعطي لتأخذَ
أَنت بيروتُ التي تعطي لتعطي ثم تسأم من ذراعيها
ومن شَبَقِ المُحِبْ
فبأيِّ إمرأةٍ سأُومنْ
وبأيَّ شُبَّاك سأُومنْ
مَنْ تُزَوِّجني ضفائرَها لأَشنق رغبتي
وأَموت كالأُمم القديمة . كم سَنَهْ
أغريتني بالمشي نحو بلاديَ الأولى
وبالطيران تحت سمائيَ الأولى
وباسمك كنتُ أَرفعُ خميتي للهاربين من التجارة والدعارة
والحضارة كَمْ سَنَهْ
كُنَا نَرُشُّ على ضحايانا كلام البرقِ:
بعد هُنَيْهَةٍ سنكون ما كنا وما سنكونُ
إمَّا أن نكون نهارك العالي
وإمَّا أن نعود إلى البحيرات القديمة كَمْ سَنَهْ
لم تسمعيني جَيِّداً لم تردعيني جيداً لم تحرميني من فواكهكِ
الجميلةِ لم تقولي : حين يبتسم المخيَمُ تعبس المدن الكبيرة
كم سَنَهْ
قلنا معاً: أنا لا أَشاءُ , ولا تشائين. اتفقنا كُلُّنا في البحر
ماءٌ . كم سَنَهْ
كانت تُنَظِّمنا يَدُ الفوضى:
تعبنا من نظامِ الغازِ,
من مطرِ الأنابيب الرتيبِ ,
ومن صعودِ الكهرباء إلى الغُرَفْ...
حريتي فوضاي. إني أَعترفْ
وسأعترفْ
بجميع أَخطائي , وما اقترفَ الفؤادُ من الأَماني
ليس من حَقِّ العصافير الغناءُ على سرير النائمين ,
والإيديولوجيا مهنة البوليس في الدول القويةِ :
من نظام الرقِّ في روما
إلى مَنْعِ الكحولِ وآفةِ الأحزاب في المُدُن الحديثةِ
كَمْ سَنَهْ
نحن البدايةُ والبدايةُ والبدايةُ . كم سَنَهْ
أَعطيتني وأَخذتِ عمري .. كَمْ سَنَهْ | محمود درويش