ولنا هدفٌ واحدٌ واحد : أن نكون .. | محمود درويش

هنا ،
عند مُنْحَدَرات التلال ،
أمام الغروب وفُوَّهَة الوقت ،
قُرْبَ بساتينَ مقطوعةِ الظلِ ،
نفعلُ ما يفعلُ السجناءُ ،
وما يفعل العاطلون عن العمل:
نُرَبِّي الأملْ .
هنا، عند مُرْتَفَعات الدُخان، علي دَرَج البيت
لا وَقْتَ للوقت
نفعلُ ما يفعلُ الصاعدون إلي الله:
ننسي الأَلمْ.


الألمْ
هُوَ:
أن لا تعلِّق سيِّدةُ البيت حَبْلَ الغسيل
صباحاً، وأنْ تكتفي بنظافة هذا العَلَمْ.
هنا، بعد أَشعار أَيّوبَ لم ننتظر أَحداً...


هنا، لا ((أَنا))
هنا، يتذكَّرُ آدَمُ صَلْصَالَهُ


سيمتدُّ هذا الحصارُ إلي أن نعلِّم أَعداءنا
نماذجَ من شِعْرنا الجاهليّ.


واقفون هنا. قاعدون هنا. دائمون هنا.
خالدون هنا. ولنا هدف واحد واحد:
أن نكون.
ومن بعده نحن مختلفون على كل شيء:
على صورة العلم الوطني
ستحسن صنعاً لو اخترت يا
شعبي الحيّ رمز الحمار البسيط
ومختلفون على كلمات النشيد الجديد
ستحسن صنعاً لو اخترت أغنية عن زواج الحمام
ومختلفون على واجبات النساء
ستحسن صنعا لو اخترت سيدة لرئاسة أجهزة الأمن
مختلفون على النسبة المئوية، والعام والخاص،
مختلفون على كل شيء. لنا هدف واحد:
أن نكون...
قالت الأم:
لم أره ماشياً في دمه
لم أر الأرجوان على قدمه
كان مستنداً للجدار
وفي يده
كأس بابونج ساخن
ويفكر في غده ...


قالت الأم : في بادئ الأمر لم
أفهم الأمر. قالوا: تزوج منذ
قليل. فزغردت، ثم رقصت وغنيت
حتى الهزيع الأخير من الليل، حيث
مضى الساهرون ولم تبق إلا سلال
البنفسج حولي. تساءلت: أين العروسان؟
قيل: هناك فوق السماء ملاكان
يستكملان طقوس الزواج. فزغردت،
ثم رقصت وغنيت حتى أصبت
بداء الشلل
فمتى ينتهي، يا حبيبي، شهر العسل؟


الشهيد يحاصرني كلما عشت يوماً جديداً
ويسألني: أين كنت؟
وأعد للقواميس كلّ الكلام الذي
كنت أهديتنيه،
وخفف عن النائمين طنين الصدى!
الشهيد يوضّح لي: لم أفتش وراء المدى
عن عذارى الخلود، فإني أحب الحياة
على الأرض، وبين الصنوبر والتين، لكنني
ما استطعت إليها سبيلا،
ففتشت عنها بآخر ما أملك:
الدم في جسد اللازورد
الشهيد يعلمني: لا جماليَّ خارج حريتي
الشهيد يحذرني: لا تُصدّق زغاريدهنَّ
وصدّق أبي حين ينظر في صورتي باكياً:
كيف بدَّلت أدوارنا، يا بنيّ،
وسرت أمامي؟
أنا أولاً
أنا أولاً!


الشهيد يحاصرني: لم أغير سوى موقعي
وأثاثي الفقير،
وضَعتُ غزالاً على مخدعي
وهلالاً على إصبعي
كي أخفّف من وجعي
الشهيد يحاصرني: لا تَسِر في الجنازة
إلا إذا كنت تعرفني.
لا أريد المجاملة من أحد
الشهيدة بنت الشهيدة بنت الشهيد
وأخت الشهيد وأخت الشهيدة كِنَّة
أم الشهيد حفيدة جد الشهيد
وجارة عم الشهيد الخ ... الخ...
ولا شيء يحدث في العالم المتمدن،
فالزمن البربري انتهى،
والضحية مجهولة الاسم، عاديّة
والضحية.. مثل الحقيقة... نسبية
الخ... الخ...