مقال مترجم يخص مسلسل بوجاك بدون حرق
بوجاك هورسمان، تراجيديا في قالبٍ كوميدي.
كان يُشار للرسوم المتحركة في ما مضى كمرادفةٍ لبرامج ألاطفال. وعلى الرغم من ضمّ مواضيع البالغين فيها (أعمال شركة بيكسار خير مثال على ذلك)، إلا ان هذا لم يمنع ابراز الجانب الفني ، والذي تمثل بالالوان التي تركت خلفها لمسةً براقةً وانطباعاً مبهجاً.
ظلّ مسلسل «بوجاك هورسمان» التابع لشبكة «نتفليكس» يدير عجلته ضمن حدود عالم الرسوم ذاك، لكن مع هذا، فلم يكن فحوى المسلسل مضحكا قط. بل في الواقع، غاص مسلسل «بوجاك هورسمان» وبجرأة نحو اعماق مظلمة، ليتناول العمل بعضاً من الجوانب السوداوية كجرعات المخدر الزائدة، و الإجهاض، و الاكتئاب، وإدمان الكحول والكثير، و تكمن ابرز نقاط القوى لهذا العمل في عدوله عن التردد في عرض كل هذه الجوانب.
رأى عمل «رافييل بوب واكسبيرغ» النور في عام ٢٠١٤، واختتم بعد ذلك بستة مواسم.
عماذا يدور مسلسل «بوجاك هورسمان» ؟
تدور أحداث مسلسل «بوجاك هورسمان» في مدينة هوليوو (بفقد حرف الدال) المبهرجة، حيث يتشاطر كلاً من المواطنين الحيوانات، والمواطنين العاديين المعيشة هناك. ويشقّ بوجاك طريقه في هذا المسلسل مستكشفاً ومتقصّياً عن الجوانب السوداوية للوجودية و الوحدة، جنباً الى جنب مع اعماله في مجال الترفيه.
«بوجاك هورسمان» هو عمل تراجيدي في قالب كوميدي،
فنرى بعض الاحداث الكوميدية تسطع على الشاشة، وبالطبع، يرسم هذا الضحكات على محيانا، لكن في غالب الاحيان، يترك «بوجاك» فينا الشعور بالفراغ.
ولمن لم يشاهد المسلسل الى الآن، فقد يبدوا غريباً بعض الشيء رؤية شخصٍ على هيأة قط (برنسس كارولين)، وشخصٍ على هيأة حصان (بوجاك هورسمان)، تجمعهما علاقة صداقة مع شخصٍ بشري (ديان نوين)، او كون شخص على هيأة كلب (السيد بينت باتر) متزوج من شخصٍ بشري.
وما أن تتخطى تلك العقبة الاولية، واذا بك تتأقلم مع عالم «بوجاك»، انها لقصة عن شخصيات تشوبها العيوب، تحاول بيأسٍ إيجاد هدفها في الحياة.
كان مسلسل «بوجاك هورسمان» واحداً من اوائل جواهر «نتفليكس» ، والذي أحتفظ بجوهره طيلة مواسمه الستة. وبصرف النظر عن سرد القصص حول تلك الشخصيات المُعيبة، فقد اهتم المسلسل بتناول الاحداث الراهنة أيضاً.
وفيما حاولت عدة عروض وافلام من تجسيد جوهر الـ " وأنا أيضاً! " (أي الارتباط العاطفي ورؤية المشاهد انعكاسه في شخوص العمل)، فلم ينجح اي عمل من تحقيقها بكفاءة تامة كما فعل «بوجاك هورسمان».
بماذا يتفوق «بوجاك هورسمان»؟
يتفوق مسلسل «بوجاك هورسمان» ويتجلى ابداعه في خلق شخوص قصته. فالشخصية الرئيسة للمسلسل «بوجاك» ؛ والذي قام بتأدية دوره الصوتي المبدع "ويل آرنيت"، قد كان نجماً تلفزيونياً يقضي كامل يومه في الشرب. ومع تقدم الاحداث، نرى «بوجاك» يحاول جاهداً شّق طريقه نحو الخلاص من فوضى حياته، وشعوره بالندم حيال القرارات الخاطئة التي لايزال مستمراً في اتخاذها.
وسواء كان موت صديقه (حُذف الأسم تجنباً للحرق) (الذي مات بعد حفلة تعاطٍ للمخدرات مع «بوجاك»)، او الحال الي آلت اليه علاقته مع «هيرب» من توتر، فأن «بوجاك» يعاني الأمرّين من كل علاقة شخصية في الحياة.
«تود» ومعضلته مع ميوله الجنسي، السيد «بينت باتر» ونظرته المزعجة بإيجابيتها، «ديان» وحاجتها في البحث عن معنىً للحياة، «برنسس كارولين» و كفاحها من اجل تحقيق توازنٍ بين عملها وحياتها، هذه الشخصيات بأجمعها تجسد السوداوية المقتمة، خلاف ما ترسمه الوان الرسوم المتحركة من سعادة في محياهم.
وكتابة شخوص هذا العمل بهذه الطريقة، دفع المشاهدين لوصف المسلسل على إنه عمل مثيرٌ للعواطف.
اما بالنسبة لمؤدي الاصوات، فقد ابدع كلاً من «ويل آرنيت» ، و «آرون باول»، و «باول اف تومبكينس»، و «أليسون بري»، و «أيمي سيداريس» في جعل هذا العمل تحفة فنية.
كما وان هناك عنصرٌ آخر قد تفوق وأبدع فيه هذا العمل، ألا وهو القدرة على خوض التجارب. فعلى مرّ السنين، أنتج «بوجاك» حلقاتٍ قد خلت تماماً من أية حوارات، او تلك الحلقة التي كانت مبنية في الكامل عن حوارات «ويل آرنيت» الداخلية مع ذاته، وفي كل مرة يُقدم فيها صنّاع العمل على مخاطرة ما، فأنها تؤتي ثمارها على أكمل وجه.
يُعرف «بوجاك» بفتنه لجمهوره من خلال رسمه الضحكات على وجوههم، وقلب الأمور بعدها رأساً على عقب دون ان تضطرب به حاسّة.
الخاتمة
كانت خاتمة «بوجاك هورسمان» بمثابة الوداع المثالي للمسلسل، لكن ما أثار الدهشة اكثر من هذا، هي الحلقة الاخيرة من القسم الثاني، حيث يواجه فيها «بوجاك» الشياطين التي كانت تلاحقه منذ سنوات عدة وحتى اللحظة. مع انه من الصعب تسليمه لحتمية الموت، والتي يتوجب عليه مواجهتها, الا انه حينئذ، قد أعدت الرحلة الكاملة لهذه الشخصية ، المشاهدين لتلك اللحظة الخاتمة.