عقبة بن نافع: من القادة العرب الفاتحين في عصر صدر الإسلام
من الأسباب التي أدت إلى انتشار الإسلام في أرجاء الأرض هو وجود رجال أصحاب قلوبٍ ونفوسٍ مؤمنة وهمةٍ صادقة، وحسبنا حُجَةَ الصحابي القائد عقبة بن نافع القائل (يا ربّ لولا هذا البحر لمضيتُ في البلاد مجاهدًا في سبيلك، اللهمّ اشهد أني قد بلغت المجهود، ولولا هذا البحر لمضيت في البلاد أقاتل مَنْ كفر بك حتى لا يُعبدَ أحدٌ دونك) [١].
نسبهُ
هو عقبة بن نافع بن عبد القيس الفهري وأمّه سلمى بنت حرملة، ولد بعام واحد قبل الهجرة لذلك فهو يعتبر صحابي بالمولد، وهو يمت بصلة للصّحابي عمرو بن العاص (رضي الله عنه) من ناحية الأم وقيل أنّهما ابني خالة.
مشاركته في الفتوحات في عهد عمر بن الخطاب
في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) اتسعت حركة الفتوحات الإسلامية وخصوصـًا في أفريقيا حيث أسند أمير المؤمنين عمر إلى الصّحابي عمرو بن العاص مهمة فتح مصر التي كانت الدولة الرومانية تعتبر أن سقوطها مسألة حياة أو موت بالنسبة لها، وبعبارة هرقل “إذا سقطت الإسكندرية ضاع ملك الروم” [٢].
وذلك لأن الروم لم تكن لهم حصون ولا كنائس مثل حصون الإسكندرية وكنائسها.
فسيرت الجيوش لنشر الإسلام وفتح تلك البلاد فكان من ضمن الجيش القائد عقبة بن نافع فأسند عمرو بن العاص إلى عقبة بن نافع فتح بلاد النوبة (وهي المنطقة التي تشمل شمال السودان وجنوب مصر على طول نهر النيل)، وشَرَعَ عمرو بن العاص إلى تأمين الحدود الجنوبية والغربية لمصر للحيلولة دون أي محاولة من الروم لاستعادتها ولذلك تطلع عمرو بن العاص نحو الغرب ولا سيما برقة فعيَّن عمرو بن العاص عقبة بن نافع واليـًا على برقة بعد فتحها فكانت مهارة عقبة الحربية هي الأساس الذي بني عليه عمرو بن العاص ثقته في عقبة بن نافع.
عقبة مثال للداعية الصادق
كان عقبة يعمل على نشر الإسلام بين أهل هذه البلاد فكانت تلك السنوات التي أمضاها عقبة ببرقة سنوات تعليم وخبرة، استطاع خلالها أن يعلم البربر قواعد الدين الإسلامي وشعائره وأن يكتسب في الوقت نفسه خبرة واسعة وعميقة بكل أحوال البيئة حيث أسلم علي يد عقبة بن نافع عدد كبير من البربر وتعلموا اللغة العربية لغة القرآن حتى يستطيعوا أن يرتلوه ويتفهموا معانيه وظل عقبة في برقة أربع سنوات رائدًا دينيـًا
وأَلِفَ الحياة بين البربر وأحبّهم وأحبّوه وأثبت في هذه الفترة أنه يجيد العمل للإسلام بكل الأساليب الممكنة [٣].
ظل عقبة بن نافع قائدا لبرقة في عهد الخليفة عثمان بن عفان والخليفة علي بن أبي طالب إذ ظهرت عليه البراعة العسكرية والذكاء الحربي، وعندما حدثت الفتنة بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان كان عقبة على جانب عظيم من الورع والتقوى فلم يشارك في الفتنة.
بعد أن تولى معاوية بن أبي سفيان الخلافة كانت بعض البلاد قد خلعت طاعة المسلمين بعد اشتعال الفتنة فكان لعقبة دور في حرب تلك البلاد وجعلها تحت الطاعة [٤]. إذ ولى معاوية عقبة بن نافع ولاية أفريقيا
بناء مدينة القيروان
توسعت رقعة الدولة الأموية في عهد مُعاوية من جهة الغرب فكانت مكشوفة وكان لابد من بناء مدينة محصّنة تكون قاعدة ينطلق منها جيش المسلمين وتكون حصن لأموال وأهالي المقاتلين في الغرب وكانت هي القيروان فأنشئت عام 50 هـ على يد عقبة بن نافع وهكذا سارت الفتوحات لأفريقيا في العهد الأموي وهي بقيادة عقبة بن نافع، ويطلق الفقهاء على هذه المدينة “رابعة الثلاث” بعد مكة والمدينة المنورة والقدس، كما بنى بها جامعًا لا يزال حتى الآن يُعرف باسم جامع عقبة بن نافع.
عزل عقبة بن نافع
في عام 55 هجرية عيّن الخليفة معاوية أبو المهاجر دينار واليـًا وعزل عقبة بن نافع فلما قَدِم أبو المهاجر أساء عزل عقبة واستخف به على الرغم من أن عقبة قد تلقى نبأ عزله بصدر رحب ولكنّ المعاملة السيئة التي تلقاها من أبو المهاجر قد أثرت على نفسه مما جعله يدعو الله قائلًا(اللّهم لا تُمِتْنِ حتى تمكننّي من أبي المهاجر دينار)،ولما علم معاوية بما حدث أمر بإطلاق سراح عقبة وإرساله إليه سار عقبة إلى الشام وقابل معاوية وعاتبه على ما فعله به أبو المهاجر قائلًا(إنني فتحت البلاد وبنيت المنازل ومسجد الجماعة ثمّ أرسلت عبد الأنصار فأساء عزلي)
فأعتذر إليه معاوية ووعده بأن يعيده إلى عمله [٥].
عودة عقبة بن نافع للولاية في عهد يزيد بن معاوية ومواصلة الفتوحات
بعد وفاة معاوية وفي خلافة ابنه يزيد أعاد عقبة بن نافع مرة ثانية إلى الولاية في سنة 62 هجرية فقرر عقبة بن نافع استئناف مسيرة الفتح الإسلامي من حيث انتهى أبو المهاجر، حيث بدأ عقبة يجهز الجيوش ويهيئ عدة الحرب فسار بجيشه حتى وصل إلى مدينة باغاية فلم يجد مقاومة تواجهه إذ كان الروم يهربون في طريقه فوصل عقبة إلى مدينة باغاية وحاصرها فبدأ فصل من فصول الحرب فقاتل عقبة أهل هذه المدينة قتالًا شديدًا حتّى هزمهم وبعد هذا الانتصار توجه عقبة إلى تلمسان (وهي مدينة تقع شمال غرب الجزائر).
فخرج الروم لملاقاة عقبة بجيش عظيم فقاتل المسلمون قتالًا عظيما واستمرت الفتوحات حتى وصل عقبة بن نافع بجيشه إلى بلاد الزاب (قال ابن خلدون: وهذا الزاب وطنٌ كبيرٌ يشتمل على قرىً متعددةٍ متجاورةٍ جمعـًا يعرف كلّ واحد) فقاتل المسلمون قتالًا كبيرًا، فواصل عقبة الزّحف إلى تاهرت (وهي مدينة بأقصى المغرب) فاستغاث من كان فيها من الروم بالبربر فأجابهم فلما رأى عقبة ذلك خطب بالناس يحمسهم ويرغبهم في الشهادة فقال:
(أيها الناس إن أشرفكم وخياركم الذين رضي الله تعالى عنهم و أنزل فيهم كتابه، بايعوا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بيعة الرضوان على قتال مَنْ كفر بالله إلى يوم القيامة، وهم أشرفكم والسابقون منكم إلى البيعة، باعوا أنفسهم لربِّ العالمين راغبين بجنَّته بيعة رابحة، وأنتم اليوم في دار غربة، وإنما بايعتم ربَّ العالمين، وقد نظر إليكم في مكانكم هذا، ولم تبلغوا هذه البلاد إلَّا طلبًا لرضاه، وإعزازًا لدينه، فأبشروا فكُلَّما كثر العدوُّ كان أخزى لهم وأذلّْ إن شاء الله تعالى، وربُّكم لا يُسلِّمكم فالقوهم بقلوب صادقة، فإن الله –عز وجل- قد جعل بأسه على القوم المجرمين) [٦ ].
فكانت لتلك الكلمات الأثر الكبير في قلوب الجنود فاستطاعوا أن يهزموا عدوهم، وكما قيل بأن قلب المؤمن لا يشيخ أبدًا إذ أن عقبة بن نافع كان في ذلك الوقت قد جاوز الستين سنة، فاتجه عقبة بعد ذلك بجيشه إلى طنجة فخرج ملكها يليان فخضع لعقبة ونزل على حكمه ودفع الجزية، ومما عرف عن عقبة بأنه لا يعرف السكون والراحة إذ أراد أن يفتح الأندلس ولكن يليان نصحه أن يتجه إلى بلاد السوس (وهو بلد في المغرب) حيث كان أهلها يدينون بدين المجوسية فاتجه عقبة إلى تلك البلاد وبعد قتال عظيم نصره الله عليهم ففتحت.
ترجل الفارس الهمام
بعد مسيرة الفتوحات التي حققها عقبة انصرف إلى القيروان ثم أذن لجيشه أن يعودوا إلى القيروان من شمال جبال أوراس وأبقى معه 300 مقاتل فقط، فلما رآه الروم في قلة أغلقوا باب الحصن وشتموه وهو يدعوهم إلى الإسلام إذ بعثوا إلى كسيلة بن لمزم الذي كان في عسكر عقبة مضمرًا الحقد والغدر حيث اتفق مع الروم على الغدر بعقبة وأرسل إلى إخوانه من البربر فحشد جمعًا كبيرًا وقد أطلق على تلك المعركة اسم معركة ممس، فقاتل عقبة ومن معه ضد البربر حتى نال الشهادة هو ومن معه سنة 63 هجرية في أرض الزاب تهودة.