ارتباك القرّاء وحيرة صحافيين أميركيين.. في التمييز بين التقارير الإخبارية والمقالات
رغم أن الانتقال إلى الإنترنت يسمح لافتتاحية نيويورك تايمز بزيادة إنتاجها بشكل كبير، فإنه يخلق مشكلة هي صعوبة التمييز بين مقالات الرأي والمواد الإخبارية (وكالات)
أثار نشر مقال في يونيو/حزيران الماضي، كتبه عضو الكونغرس الأميركي توم كوتون ودعا فيه لاستخدام جيش بلاده لقمع احتجاجات شعبية، ردودَ فعل واسعة وانتقادات شديدة، وقد اضطرت صحيفة نيويورك تايمز (The New York Times) لكتابة ملاحظة تفيد بأن المقالة لا ترقى لمستوى معاييرها التحريرية ولا ينبغي نشرها، بينما استقال محرر الرأي في الصحيفة على إثر الأزمة.
وكان محرر صفحة الرأي جيمس بينيت قد دافع في البداية عن نشر المقال، مؤكدا أنه "مقال رأي" ولا يعبر عن رأي الصحيفة، لكنه استدرك لاحقا معتبرا أن قسمه كان مخطئا بنشر المقال، وألقى باللوم على خطأ في عملية التحرير، بينما هاجم الصحيفة كلٌّ من الرئيس دونالد ترامب وعضو الكونغرس كاتب المقال.
Opinion Editor at @nytimes just walked out. That’s right, he quit over the excellent Op-Ed penned by our great Senator @TomCottonAR. TRANSPARENCY! The State of Arkansas is very proud of Tom. The New York Times is Fake News!!!
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) June 7, 2020
وأثارت الحادثة وردود الفعل عليها نقاشا صحفيا ومهنيا واسعا بين المهتمين والعاملين في الصحافة بالولايات المتحدة وغيرها، فقد تم نشر المقال على صفحات الرأي وليس في صفحات الأخبار، لكن الأكاديمي كيفن ليرنر أستاذ الصحافة المساعد بكلية ماريست الأميركية، يرى أن الجمهور والقراء لا يميزون بين التقارير والأخبار وبين المقالات المنشورة في صفحات الرأي، فقد وُجّهت الانتقادات للصحيفة كلها وتغطيتها الإخبارية بشكل عام، وليس لكاتب المقال فحسب.
ويطرح الأكاديمي الأميركي نقاشا مهما من وحي الحادثة، ويتساءل "ما الفرق بين الجانب الإخباري وجانب الرأي في المؤسسة الإخبارية؟"، مشيرا إلى أن "من مبادئ الصحافة الأميركية أن يظل الصحفيون العاملون في أقسام الأخبار في الصحف مستقلين تماما عن أقسام الرأي، لكن الفجوة بين الأخبار والرأي ليست واضحة بالنسبة للعديد من القراء، كما يعتقد الصحفيون أنها كذلك".
وأظهر استطلاع جرى بمبادرة من معهد الصحافة الأميركي عام 2018، أن الكثير من قرّاء الصحف يرتبكون في التمييز بين الأخبار ومقالات الرأي، ويمكن أن يؤدي ذلك الارتباك إلى عدم الثقة في وسائل الإعلام ذاتها.
ودعا المشرفون على الاستطلاع الصحفيين إلى اتباع أساليب شفافة لبناء الثقة مع القراء والمشاهدين والمستمعين. وقال قرابة خُمس الصحفيين المشاركين في الدراسة إن مؤسساتهم الإخبارية يجب أن تجعل الفرق بين الأخبار والرأي أكثر وضوحا، مثل وضع علامة على مقالات الرأي.
ويقول ليرنر إن "مستهلكي الأخبار الأميركيين اعتادوا على فكرة الموضوعية في الأخبار، ولذا فإن الفكرة القائلة إن الآراء تتسرب إلى التقرير الإخباري قد تدفع القراء إلى الشك في أن المراسلين لديهم أجندة سياسية، مما يضرّ بمصداقيتهم ومصداقية مؤسساتهم الإخبارية"، بحسب مقاله لموقع كونفيرزيشن (The Conversation).
تاريخ التمييز
يقول الأكاديمي الأميركي إنه قبل وقت طويل من تحوّل الصحف لمؤسسات تجمع الأخبار وتنشرها، كانت الصحافة أشبه بمنصات للتعبير الشخصي للأفراد أو أدوات لأصحابها، وأدار بنجامين فرانكلين -وهو من أهم وأبرز مؤسسي الولايات المتحدة الأميركية- جريدة بنسلفانيا غازيت (Pennsylvania Gazette) من عام 1729 إلى 1748، كأداة لنشر أفكاره السياسية والعلمية وحتى ملاحظاته اليومية.
وفي أوائل القرن 19، كانت الصحف غالبا منحازة بشكل صريح، حيث تم تمويل العديد منها من قبل الأحزاب السياسية مباشرة.
وعلى مدى القرن 19، بدأت الصحف في البحث عن جمهور أوسع، ومع نموها وزيادة تداولها بدأ البعض بالتأكيد على استقلاله عن الحزب السياسي أو المؤسسة، وتزامن ذلك مع تبني المفاهيم والمعايير المهنية وصعود كليات الصحافة والمؤسسات الصحفية في أوائل القرن 20.
ومع ذلك، لم يرغب أصحاب الصحف أبدا في التخلي عن تأثيرهم على الرأي العام. فعندما أصبحت الأخبار هي المنتج الرئيسي، أنشأ الناشرون صفحات افتتاحية، حيث يمكنهم الاستمرار في تأييد السياسيين المفضلين لديهم، أو حتى الدفاع عن قضايا مثل "الحيوانات الأليفة".
عادة ما يكتب لهذه الصفحات مجالس التحرير، وهي عبارة عن طاقم من الكتاب، وغالبا ما يكون لديهم مجالات خبرة فردية ويقومون بصياغة المقالات التحريرية، ثم يتم التصويت عليها في مجلس الإدارة الذي يضم الناشر عادة، ثم يتم نشرها، وعادة دون إسنادها لكاتب معين، باعتبارها آراء رسمية للصحيفة.
ولكن خلال معظم القرن 20، طمأنت الصحف قراءها ومراسليها بأن هناك "جدارا" بين الأخبار وجوانب الرأي في موادها المنشورة، بينما اعتمد الناشرون على فكرة الفصل للتأكيد على أن تقاريرهم الإخبارية عادلة ومستقلة، واعتقدوا أن القراء فهموا هذه الفكرة.
إنشاء صفحة الرأي
ومع توسع صفحات الرأي على الإنترنت، كانت نيويورك تايمز تنشر 120 مقال رأي أسبوعيا في وقت استقالة جيمس بينيت، بحسب مقال الأكاديمي الأميركي.
وفي حين أن الانتقال إلى الإنترنت سمح لصفحة افتتاحية نيويورك تايمز بزيادة إنتاجها بشكل كبير، فإنه خلق مشكلة أيضا، إذ لم تعد مقالات الرأي تبدو مختلفة بوضوح عن القصص الإخبارية والتقارير الصحفية.
ومع قدوم العديد من القرّاء إلى المواقع الإخبارية من روابط وسائل التواصل الاجتماعي، فإنهم قد لا ينتبهون إلى الإشارات والقرائن التي تميز مقالا نشره فريق الرأي، عن أخبار وتقارير صحفية.
إضافة إلى ذلك، فحتى القراء الذين يذهبون إلى الصفحة الرئيسية لإحدى الصحف يقابلون أخبارا وقصص رأي معروضة في نفس المستوى، مما يشير إلى نفس الأهمية. ويتبادل الصحفيون التحليلات والآراء على منصات التواصل الاجتماعي، مما يزيد من إرباك القرّاء.
وتعمل أقسام الأخبار في الصحيفة أيضا بشكل متزايد على نشر القصص التي تحتوي على مستوى من التحليل الإخباري الذي قد لا يتمكن القراء العاديون من تمييزه عما تصنفه صحيفة نيويورك تايمز رأيا أو مقالا.
ويختم الكاتب مقاله بالقول إنه إذا استمرت المؤسسات الإخبارية في الحفاظ على قسم رأي قويٍّ منفصل عن تقاريرها الإخبارية، ويشارك في النقاشات العامة، فمن الأفضل القيام بجهد أفضل في التمييز وبناء جدار واضح لمستهلكي الأخبار، يفرّق بين التقارير الإخبارية ومقالات الرأي.
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زْهـرٍآء
