مر عام على ظهور جائحة فيروس كورونا المستجد المسبب لمرض كوفيد-19، الذي اكتشف للمرة الأولى من مدينة ووهان في الصين، وما زال يفتك ببلدان العالم رغم إعلان احتوائه في البؤرة التي ظهر منها، فكيف استطاعت الصين محاصرة الفيروس، والتغلب على الجائحة؟
يكاد يجمع مختصون، أن كلمة السر لدى الصين، في الوصول إلى إصابات صفرية بكوفيد-19، والنجاح في مكافحة الجائحة، هي التكنولوجيا. فقطاع الصحة والتجارة بالإضافة إلى الجهات الأمنية عززت من استخدام الوسائل التكنولوجية؛ لتشكيل نموذج الصين في مكافحة الوباء.
تجربة القطاع الصحي
شكل الظهور المفاجئ والغامض لفيروس كورونا المستجد، صدمة للقطاع الصحي الصيني، خصوصا في ظل تزايد أعداد الإصابات ونقص حاد في اللوازم الطبية؛ لكن الإجراءات على الأرض ساهمت في عدم انهياره.
ولعل تأخر الحكومة الصينية في الإعلان الرسمي عن وجود فيروس غامض ينتشر بين البشر فاقم أعداد الإصابات؛ لكن قرارها الحاسم بإغلاق مدينة ووهان ومنع الدخول أو الخروج منها كان بداية النجاح في الانتصار على الوباء، حسب ما يرى مراقبون.
يقول الطبيب الفلسطيني المقيم في ووهان علي الوعري، إن قرار الإغلاق نجح بالاعتماد على الوسائل التكنولوجية، بدءا من مراقبة التزام المواطنين بالحجر الصحي، وتوفير مستلزماتهم، بالإضافة لتتبع الإصابات وحصرها.
ويوضح الوعري في حديثه مع الجزيرة نت، أن قرار الإغلاق الشامل ساعد الصين في تركيز الجهود على مساعدة مقاطعة هوبي وحاضرتها مدينة ووهان، من خلال تكثيف إنتاج اللوازم الطبية في المقاطعات الأخرى، وإمدادها بها، ونقل الطواقم الطبية إليها.
جهد كبير
وقدمت الحكومة الصينية جهدا كبيرا في سبيل تعزيز الإنتاج للوازم الطبية، وسارعت لبناء المستشفيات ومراكز الحجر المؤقتة، معتمدة في ذلك على نظام "بيدو" (BeiDou) للأقمار الصناعية من خلال خدمة "آر دي إس إس" "RDSS"، التي تنقل المعلومات في الوقت الفعلي، حيث تمكنت من تحليل البيانات لتحديد المواقع الأنسب للمستشفيات، وفق معدل الانتشار.
ويشير الوعري إلى تجربته الشخصية خلال الحجر الصحي، حيث إن التقدم التكنولوجي مكن المواطنين من توفير مستلزماتهم من خلال التسوق الإلكتروني، وحد من الاختلاط المباشر، كما أن التعاملات المالية الإلكترونية ساهمت إلى حد كبير في الحد من انتشار الفيروس؛ إذ تشير تقارير طبية لاحتمالية انتقاله عبر الأوراق النقدية.
وتعاون عملاقا التكنولوجيا "علي بابا" (alibaba) و"تينسنت" (tencent)، اللذان يسيطران على الحصة الأكبر من السوق في مجال الدفع الإلكتروني، لتطوير نظام تصنيف صحي مرمز بالألوان يتتبع ملايين الأشخاص يوميا. فمع بدء العودة التدريجية للحياة في الصين، كان وما زال مسح الرمز شرطا لدخول الأماكن العامة، إذ يمكن السماح فقط للأشخاص، الذين تم تعيين رمز اللون الأخضر لهم باستخدام وسائل النقل أو الدخول لمراكز الخدمات العامة.
كما أنشأت الحكومة الصينية نظام مراقبة ضخما. تجمع من خلاله بيانات موقع الهاتف الذكي للأشخاص ودرجات حرارة الجسم وسجل السفر وتفاصيل أخرى في قاعدة بيانات مركزية، حيث يتم تحليل البيانات باستخدام البيانات الضخمة والتعلم الآلي. ويمكن للحكومة معرفة عدد الأشخاص، الذين كان الشخص المصاب على اتصال وثيق بهم، وتأمرهم بعزل أنفسهم.
الحرية الشخصية وتحدي الخصوصية
عشية عيد رأس السنة القمرية "عيد الربيع"، الذي يشهد أكبر حركة تنقل تشمل مئات الآلاف، فرضت الحكومة الإغلاق الشامل في كل المناطق الصينية، وكانت نسبة التزام المواطنين كبيرة جدا.
وطرحت الجزيرة نت، سؤالا على مواطنين صينيين حول الالتزام بالإغلاق، كما استندت لبعض آراء مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي العرب، الذين يرون أن الشعب الصيني يتمتع بثقافة الالتزام، وأن امتثاله لقرار الإغلاق والحجر الصحي نابع من ذلك.
في حين يرى شي لينغ، الذي يعمل في مؤسسة حكومية، "أن الحكومة الصينية لديها السلطة لفرض الإغلاق بعكس الحكومات الغربية، التي تعتبر ذلك تقييدا للحريات"، مضيفا للجزيرة نت، بأن بعض الأشخاص يعارضون القرارات الحكومية؛ لكنهم لا يجرؤن على مخالفتها خشية العقوبات.
ورغم خطورة الجائحة التي تطلبت فرض الإغلاق ومراقبة الجمهور؛ إلا أن تشعب هذه الخطوات ينذر بالسوء لحرية المواطن، ويجعل المراقبة أمرا طبيعيا جديدا، وهو محل انتقاد دائم من دول غربية للصين.
وترى تقارير صحفية، أن بكين عززت من القبضة الحديدية على الإنترنت ونظام المراقبة الداخلي، من خلال تركيب كاميرات الدوائر التلفزيونية المغلقة، التي تعمل بنظام التعرف على الوجه في جميع المدن الكبرى لمكافحة فيروس كورونا.
ويقول الباحث في الاقتصاد السياسي أحمد عمر، أن التخلص من الفيروس وإنقاذ الأرواح واستئناف الحياة الطبيعية أسكت النقاش المثير للجدل بشأن الخصوصية مقابل الأمان؛ لكن القلق في الحالة الصينية نابع من استخدام هذه التكنولوجيا لخلق الدولة الرقمية، التي تعزز قبضتها على التحكم في البيانات الفردية.