ناجي نصر يقضي أكثر من 10 ساعات يوميا يمارس الرسم
"اللوحة بأقل من ثمن دجاجتين"، قالها الفنان ناجي نصر بحزن شديد، وهو يمسك بيديه لوحةً لقبة الصخرة المشرفة، من بين عشرات اللوحات التي أعلن عن تخفيض أسعارها، تماشيا مع تردي الأوضاع الاقتصادية في غزة.
وتحت ضغط الحاجة لإعالة أسرته المكونة من 5 أفراد؛ لجأ نصر (44 عاما) -الذي يعاني من إعاقة حركية- إلى نشر لوحاته على مواقع التواصل الاجتماعي والترويج لها بالإعلان عن تخفيضات كبيرة على أسعارها، ويقول للجزيرة نت "ورغم ذلك ليس هناك إقبال، الناس تفضل توفير طبخة (وجبة طعام) على اقتناء لوحة".
ووجد نصر في موهبة الرسم بالحرق فرصة لإعالة أسرته، لكنه في الوقت نفسه يرى فيها إسهاما في توثيق مسيرة النضال الوطني الفلسطيني، ونشر الرموز في حياة الفلسطينيين والتعريف بها، وتخليد ذكرى الشهداء والأسرى.
This is a silent truth…blind…deaf… Painting by ناجي محمد نصر
Posted by Kanojo Tashi on Saturday, 12 December 2020
البداية صدفة
ويقول نصر إنه يعشق فن الرسم منذ صغره، غير أن قدرته على الرسم بالحرق اكتشفها صدفة، عندما كان في دورة تدريبية لتعليم النجارة لذوي الاحتياجات الخاصة في الجامعة الإسلامية بمدينة غزة، وقتذاك تعطل "كاوي القصدير" فنجح في إصلاحه، وبدأت أولى خطواته في ممارسة هذا الفن، عندما أثارت بداية رسومه إعجاب المدربين والمتدربين.
مرت 6 أعوام على تلك اللحظة، ومنذ ذلك الحين أنجز نصر نحو 4 آلاف لوحة متنوعة الموضوعات والعناوين، ويبقى العنوان الأبرز من بينها التراث وقضايا النضال الوطني.
التراجع الحاد في الإقبال على اقتناء اللوحات الفنية لم يصب نصر باليأس، ورغم ضيق الحال فهو يشعر بالفخر الشديد لإسهامه في حفظ التراث، والترويج للرموز الفلسطينية، ووصلت لوحاته مشارق الأرض ومغاربها، سواء عن طريق الزوار الأجانب، أو بإرسالها بالبريد السريع لمن يطلبها عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي.خلقت للفرح فاستبدلتم بسمتي بصرخة ..
I was born to live the happiness but you swapped it with a scream ..
Posted by ناجي محمد نصر on Friday, 11 December 2020
كورونا آفة الفن
قبل تفشي جائحة كورونا، كانت لنصر زاوية خاصة في أحد أشهر فنادق مدينة غزة، ويرتادها الزوار الأجانب والوفود الرسمية، لكنه اضطر إلى إغلاقها، التزامًا بالإجراءات الوقائية لمكافحة الجائحة.
كان نصر يتخذ من تلك الزاوية مرسما، حيث لا متسع لمرسم في منزله المتواضع، الذي لا تزيد مساحته على 60 مترا مربعا.
وقال للجزيرة نت "كنت أقضي ساعات طويلة يوميا في هذه الزاوية، أرسم وأشرح للزوار طبيعة اللوحات، وكان كثيرون منهم يقتنون بعض ما أرسم، أو يطلبون مني رسم صور شخصية لهم أو لزوجاتهم وأحبائهم".
وبعد إغلاق الزاوية، ومع طول أمد أزمة كورونا؛ لجأ نصر إلى نشر رسومه على حسابه الشخصي على موقع فيسبوك، والإعلان عن حملة تخفيضات كبيرة على أسعارها حتى نهاية الشهر الجاري، ولكن من دون أن يحقق النتيجة المرجوة.سلامي لكم ❤❤❤
Posted by ناجي محمد نصر on Thursday, 19 November 2020
وخفض نصر أسعار لوحاته بنحو 70%؛ فأصغر لوحاته يبلغ ثمنها 29 شيكلا (نحو 9 دولارات)، في حين يبلغ سعر الأكبر 69 شيكلا (نحو 21 دولارا).
ويقول نصر "الناس في غزة يعيشون أزمات طاحنة ومتلاحقة حتى قبل كورونا، بسبب سنوات الحصار الطويلة، وجاءت كورونا لتزيد الطين بلة، فمن سيشتري لوحة وهو غير قادر على توفير رغيف الخبز لأسرته".
وحسب تقديرات فلسطينية وأممية، فإن نسبة الفقر في قطاع غزة تبلغ 56%، في حين تبلغ نسبة البطالة 49%.
لوحة قبة الصخرة المشرفة في مدينة القدس المحتلة تعد الأشهر بين لوحات نصر والأكثر مبيعا
"قبة الصخرة" الدرة
وتعد لوحة قبة الصخرة المشرفة في مدينة القدس المحتلة الأشهر بين لوحات نصر والأكثر مبيعا، حتى أنه لا يقوى على تذكر عدد المرات التي رسمها.
وإضافة إلى قبة الصخرة، فإن لوحات أخرى لشخصيات وطنية كانت الأكثر مبيعا وجذبا للمهتمين، أبرزها صورة الرئيس الراحل ياسر عرفات، ومؤسس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) الشيخ الشهيد أحمد ياسين، فضلا عن صورة المناضل الجنوب أفريقي الراحل نيلسون مانديلا.
وشارك نصر في معرضين فنيين في غزة، أحدهما بعنوان "الوحدة الوطنية"، وكان له 42 لوحة لشخصيات وطنية من قادة الفصائل ورموز الشهداء والأسرى، والثاني بعنوان "عرفات والثورة" عرض فيه 70 لوحة تجسد مسيرة حياة الرئيس الراحل.
معوقات
ومثل نحو مليوني فلسطيني في غزة، كان الحصار العقبة الأشد في طريق نصر؛ فسلطات الاحتلال منعت أكثر من مرة سفره للمشاركة في معارض فنية في الضفة الغربية والخارج.
ويقول نصر "للمعاناة وجوه كثيرة في غزة، ويبقى الحصار وجهها الأكثر بشاعة، فهذا الحصار الجائر يحرمنا من حقوقنا الأساسية ومن أبسط مقومات الحياة".
Posted by ناجي محمد نصر on Tuesday, 17 November 2020
وتحت الذرائع الأمنية الواهية، تمنع إسرائيل دخول الجهاز الخاص بالحرق للرسم على الخشب، فاضطر نصر إلى استخدام أداة بديلة تستخدم في إصلاح الهواتف النقالة، وأجرى عليها بعض التعديلات، كما استعاض عن خشب الزان مرتفع السعر، وغير المتوفر باستمرار في غزة، بالرسم على الكرتون (الورق المقوى).
كما تشكل أزمة الكهرباء عائقا كبيرا أمام نصر، الذي يقضي يوميا ما يزيد على 10 ساعات يمارس الرسم، لكنه يصطدم بجدول التوزيع الطارئ للكهرباء، التي تصل المنازل 8 ساعات، مقابل انقطاعها 8 ساعات، وتزيد عن ذلك في أوقات الذروة.