يحتل مفهوم الاغتراب ومعه مفهوم الوجود مكان الاولوية لا لدى الاسوياء من الناس فحسب بل لدى ممن تسوء احوالهم نحو التدهور وخصوصا اذا ما تحولت الى حالة من الاضطراب النفسي ويؤكد عالم التحليل النفسي الشهير"لاكان" قوله أفكر حيث لا أوجد أو أوجد حيث لا أفكر،معبرا أن الاحساس بالوجود لا يتحقق في الذاتية وانما يحصل الانسان على الإحساس بوجوده من خلال الأخر وفي الأخر وبالأخر لذا نحن لا نغالي اذا قلنا ان الاغتراب هو جدلية الوجود، هو ازمة الإحساس بالوجود،هذا الاحساس سواءاً نبع من دواخلنا ام داهم احدنا من الخارج "البيئة الخارجية" وما حملت له من قلق وجسامة مرعبة من احداث لاطاقة له على حملها، فيحاول ان يهرب من هذه البيئة معتقداً انه تحرر منها ومن كل اسمالها واوزارها ولكن الحقيقة ليست كذلك .. ولنا ان نتذكر قول المغنية المصرية المعتزلة شادية في احدى اغانيها .. لو قلنا في البعد ارتحنا ..نبقى نضحك على روحنا، اذن الاغتراب هو ازمة احساس بالوجود لا بتغيير الامكنة او الاشخاص او البيئة او المناظر المعتادة الى مناظر خلابة وربما اجمل مناظر العالم واروعها .. انه يبدا بقلق الوجود وهو ما يصنفه اطباء النفس بقلق الاكتئاب .
وفي موسوعة علم النفس والتحليل النفسي يشير هذا المفهوم استنادا الى بعض علماء النفس والطب النفسي الى ان الاغتراب العقلي
Mental Alienation
انه زملة الاعراض التي يبدو معها المريض وكأنه غريب عن المجتمع الذي يعيش فيه، انه التوافق العصابي لعامة حيث الهوة تزداد بين الفرد وعالمه .
ان محنة ازمة الاغتراب لدى الانسان المعاصر ليست حديثة النشأة بقدر ما هي ازمة قديمة ولكن استفحلت ونمت مع تطور الحضارة واتساع متطلبات الحياة والسعي وراء الرفاهية حتى وان كلف ذلك اتزانه النفسي وصحته .
يرى "اريك فروم" ان مصطلح الاغتراب يشير الى عدد من العلاقات المتنوعة مثل علاقة الانسان بذاته وعلاقته بالآخرين وبالطبيعة وبالعمل الانساني ولكن تدور معظم رؤية فروم عن الاغتراب والذي هو اغتراب الانسان عن ذاته وما نعنيه هو الاغتراب النابع من داخل الذات . ويذهب "فروم" قوله ان العقل هو قدرة الانسان على ادراك العالم بالفكر،ويرى ايضا(فروم) ان العقل يهدف الى القيم، وانه يفترض التفرد ووجود الانسان على نحو اصيل فلا يمكن لي ان افكر إلا إذا كنت موجوداً ولم افقد فرديتي في المجهول، هذا المجهول الذي اضاع لدى الكثيرين من سنوات اعمارهم سواءا كانوا في بلدانهم او في بلدان المهجر، انه الاغتراب الحقيقي الذي لا يدري الانسان ما هو علاجه لان انساننا المعاصر يعيش اضطراب وخلل في العلاقات الاجتماعية والعلاقات البين-شخصية اي شعور بغربة الذات والغربة عن المجتمع.
ويرى كمال دسوقي ان الاغتراب هو شعور بالوحدة والغربة وانعدام علاقات المحبة او الصداقة مع الاخرين من الناس .
لا نغالي اذا قلنا ان الاغتراب هو شعور الفرد بالعزلة والضياع والوحدة وربما تتوجها افكار عدم الانتماء او فقدان الثقة بمن حوله يصاحبها احساس شديد بالقلق وقد يكون رفض واضح للقيم والمعايير السائدة في المجتمع، هذا الاغتراب حينما يعصف بالانسان تختل لديه روابط الحياة الاسرية ورغبة شديدة في التمرد على كل شئ.
يرى سيجموندفرويد مؤسس التحليل النفسي ان الاغتراب ينشأ نتيجة الصراع بين الذات وضوابط الحضارة او المدنية حيث تتولد لدى الفرد مشاعر الضيق والقلق حين يواجه بضغوط الحضارة وتعقيداتها المختلفة وتؤدي بدورها الى الكبت كميكانزم"حيلة" دفاعية تلجأ اليها ألانا كحل للصراع كما عبرعن ذلك (اتو فينخل).
ويعتقد (صلاح مخيمر) ان الاغتراب يتخذ صورة الاختلالات النفسية والعقلية ولنا الحق بالقول ان الاغتراب هو الهم الانساني لدى الانسان المعاصر ممن يعيش في وطنه ولم يجد لذاته الآمان والطمأنينة او غادره عنوة ولم يستطيع التكيف مع الجديد رغم انه مخالف لما يحمله من قيم ومعتقدات ولكن فرض عليه لان يكون فيه آذن تسمع ويد تعمل وعقل يفكر ويتكيف وإلا فإن ما رأه (مخيمر) هو الذي سيحل به .
د.اسعد الامارة - السويد
استاذ جامعي وباحث سيكولوجي